فصل: متى تجب الصلاة في الطائرة؟ وما كيفيتها؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


باب صلاة أهل الأعذار

قال فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء - ‏:‏

بسم الله الرحمن الرحيم

كيف يصلي المريض‏؟‏

أولاً‏:‏ يجب على المريض أن يصلي الفريضة قائماً ولو منحنياً، أو معتمداً على جدار، أو عصا يحتاج إلى الاعتماد عليه‏.‏

ثانياً‏:‏ فإن كان لا يستطيع القيام صلى جالساً، والأفضل أن يكون متربعاً في موضع والركوع‏.‏

ثالثاً‏:‏ فإن كان لا يستطيع الصلاة جالساً صلى جنبه متوجهاً إلى القبلة، والجنب الأيمن، فإن لم يتمكن من التوجه إلى القبلة صلى حيث كان اتجاهه، وصلاته صحيحة، ولا إعادة عليه‏.‏

رابعاً‏:‏ فإن كان لا يستطيع الصلاة على جنبه صلى مستلقياً رجلاه إلى القبلة، والأفضل أن يرفع رأسه قليلاً ليتجه إلى القبلة، فإن لم يستطع أن تكون رجلاه إلى القبلة صلى حيث كانت، ولا إعادة عليه‏.‏

خامساً‏:‏ يجب على المريض أن يركع ويسجد في صلاته، فإن لم يستطع أومأ بهما برأسه، ويجعل السجود أخفض من الركوع، فإن استطاع الركوع دون السجود ركع حال الركوع، وأومأ بالسجود، وإن استطاع السجود دون الركوع سجد حال السجود، وأومأ بالركوع

سادساً‏:‏ فإن كان لا يستطيع الإيماء برأسه في الركوع والسجود أشار في السجود بعينه، فيغمض قليلاً للركوع، و يغمض تغميضاً للسجود‏.‏ وأما الإشارة بالإصبع كما يفعله بعض المرضى فليس بصحيح و لا أعلم له أصلاً من الكتاب، والسنة، ولا من أقوال أهل العلم‏.‏

سابعاً‏:‏ فإن كان لا يستطيع الإيماء بالرأس، ولا الإشارة بالعين صلى بقلبه، فيكبر ويقرأ، وينوي الركوع، والسجود، والقيام، والقعود بقلبه ‏(‏ولكل امرئ ما نوى‏)‏‏.‏

ثامناً‏:‏ يجب على المريض أن يصلي كل صلاة في وقتها ويفعل كل ما يقدر عليه مما يجب فيها، فإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، إما جمع تقديم بحيث يقدم العصر إلى الظهر، والعشاء إلى المغرب، وأما الجمع تأخير بحيث يؤخر الظهر إلى العصر، والمغرب إلى العشاء حسبما يكون أيسر له‏.‏ أما الفجر فلا تجمع لما قبلها ولا لما بعدها‏.‏

تاسعاً‏:‏ إذا كان المريض مسافراً يعالج في غير بلده فإنه يقصر الصلاة الرباعية فيصلي الظهر، والعصر، والعشاء على ركعتين، ركعتين حتى يرجع إلى بلده سواء طالت مدة سفره أم قصرت‏.‏

والله الموفق‏.‏

كتبه إلى الفقير إلى الله‏:‏ محمد الصالح العثيمين‏.‏

1071 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن امرأة تعاني من ألم في المفاصل، وتصلي وهي جالسة، فهل يجب عليها أن تضع شيئاً تسجد عليه مثل الوسادة ونحوها‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إن الألم الذي في مفاصل هذه المرأة ولا تستطيع معه القيام في الصلاة وتصلي جالسة؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أفتى عمران بن حصين فقال -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب‏)‏‏.‏

فإن كانت لا تستطيع القيام، قلنا لها‏:‏ صلي جالسة وتكون في حال القيام متربعة، كما صح ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم تومئ بالركوع وهي متربعة‏.‏ ثم إن استطاعت السجود سجدت، وإلا أومأت برأسها أكثر من إيماء الركوع‏.‏

وليس في السنة أن تضع وسادة أو شيئاً تسجد عليه، بل هذا إلى الكراهة أقرب؛ لأنه من التنطع والتشدد في دين الله‏.‏ وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ¸أنه قال ‏(‏هلك المتنطعون هلك المتنطعون، هلك المتنطعون‏)‏‏.‏

1072 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ أعرض على فضيلتكم حالتي، فقد سقطت من الدور الثاني فانشل جسدي من الصدر وأسفل، وفقدت الإحساس في هذه المنطقة، ولم أعد أتحكم في البول، ووضع لي جهاز على القضيب في أسفله كيس بلاستيك يتجمع فيه البول، أما البراز فينزل في الحمام بواسطة لبوس أضعه فتعودت على تنظيمه، أما الريح فليس في استطاعتي التحكم فيها، كما أنني لم أستطيع الجلوس على الأرض، ولا غسل الفرج، ولا الرجلين، وأذهب إلى المسجد في الجمعة بواسطة عربة فأجد صعوبة في الدخول من عتب المسجد لكثرة الدرج، ولا يوجد مسجد قربي به مدخل للعربات، كما أنني أقوم بإفراغ الكيس من البول عند الذهاب إلى المسجد، ولكن بعد الصلاة ألمس الكيس فأجد أنه قد نزل فيه شيء من البول، فكيف أتوضأ‏؟‏ وكيف‏؟‏ أصلي‏؟‏ وهل يلزم أن أذهب إلى المسجد‏؟‏ وكان من أثر هذا الحادث أن الكلى والمسالك البولية ضعفت ولا تعمل كما في الأصحاء، ويأمرني الأطباء بشرب الماء بكميات كبيرة، وعدم تأخير شرب الماء أكثر من ست ساعات، فهل يلزمني الصيام‏؟‏ وماذا علي علماً بأنني حاولت الصيام فحصل لي النزيف‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نسأل الله تعالى أن يرزقك الصبر والاحتساب على ما أصابك حتى تنال أجر الصابرين‏.‏

وأما ذكرت من جهة الوضوء والصلاة فإن الله – عز وجل – يقول‏:‏ ‏{‏لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏، ويقول جل ذكره ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم‏)‏‏.‏

وعلى هذا فإن وضوءك يكون كالتالي‏:‏

إذا دخل وقت صلاة الفريضة فاغسل ما يمكنك غسله من المكان الذي تنجس بالبول، أو الغائط، ثم ضع هذا الكيس الذي تضعه على القضيب، وكذلك تحفظ بالنسبة للغائط، ثم بأن تتمضمض، ثم استنشق، واستنثر، ثم اغسل وجهك ويديك إلى المرفقين، ثم امسح رأسك، واغسل رجليك إن استطعت بنفسك، أو أحد أولادك، أو أهلك يغسلونها، لأن الظاهر أن غسلها لا يؤثر، ثم تصلي ما شئت من فروض ونوافل، وكذلك إذا أردت صلاة النافلة فإنك تعمل كما ذكرت لك وتصلي بحسب استطاعتك‏.‏

وأما الذهاب إلى المساجد فإنه لا يلزمك أن تذهب إلى غير الجمعة، فالجمعة هي الواجبة عليك أن تصليها في المسجد، وأنت قد ذكرت أنك تذهب إلى مسجد في وسط البلد وتصلي فيه الجمعة، أما غيرها فلمشقة الذهاب لا يلزمك الذهاب إلى المسجد، لا سيما وأن المساجد التي حولك فيها درج كما أفاد سؤالك، ولأنه يتعذر عليك الدخول إلى المسجد بالعربة التي أنت عليها‏.‏ والله الموفق‏.‏

وبالنسبة للصيام فالذي تبين من حالك أنه لا يمكنك الصوم لأنك لا بد أن تشرب الماء بكثرة، وحاولت الصيام فحصل لك نزنفاً، وعليه فلا يجب عليك الصوم، وإنما الواجب عليك إطعام مسكين لكل يوم، ولا يجزئ دفع الدراهم عن إطعام المسكين، فالآن يجب عليك أن تطعم كل شهر تفطره، ولك في الإطعام طريقان‏:‏

الأول‏:‏ أن تصنع طعاماً وتدعو إليه فقراء بعدد أيام شهر رمضان، وبهذا تبرئ ذمتك‏.‏

الثاني‏:‏ أن تعطيهم ستة أصواع من الرز، تقسمها على الثلاثين ومعها اللحم الذي يكفيها من لحم أو دجاج أو غيره، وذلك عن كل شهر تفطرها‏.‏

1073 - وسئل فضيلة الشيخ‏:‏ لنا والد يبلغ من العمر مائة سنة ويقول لنا كل يوم جمعة أوصلوني للمسجد، ولا يستطيع المشي ومريض، فهل إذا قلنا له لن نوصلك علينا إثم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كان لا يستطيع الذهاب إلى المسجد فإنه ينبغي أن يخبر أنه لا يلزمه أن يكلف نفسه ويتعبها بأمر يشق عليه ولا يتحمله، وأما إذا كان يتحمله ولكن بمشقة فإن من بره أن توافقه على طلبه، وتكونا مأجورين من وجهين‏:‏ البر لأبيكم، ومن جهة أن هذا عون على طاعة الله، والمعين على الطاعة يرجى له الخير والثواب، وقد ذكر ابن مسعود – رضي الله عنه – أن الصحابة - رضي الله عنهم – ‏(‏كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف‏)‏‏.‏

1074 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن امرأة كبيرة في السن، وقدماها لا تساعداها على القيام، تصلي المغرب مع العشاء جمعاً، وتصلي الركعتين الأولى والثانية واقفة، أما الثالثة والرابعة فتجلس متربعة، أو مادة لرجلها اليمنى لعدم القدرة على ثنيها، فهل فعلها صحيح، وما حكم عملها هذا‏؟‏ والله يحفظكم ويرعاكم‏.‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذا السؤال تضمن أمرين‏:‏

الأول‏:‏ أن هذه المرأة تجمع بين فرضين، المغرب والعشاء، وهذا لا يجوز إلا إذا دعت الحاجة إليه، وحصل بتركه مشقة، فإن الجمع حينئذ يجوز فلتنتبه هذه المسألة إلى أن تصلي المغرب في وقتها، والعشاء في وقتها إلا أن يكون هناك مشقة‏.‏

الأمر الثاني‏:‏ فهو مسألة القيام، فالفريضة القيام فيها ركن من أركان الصلاة، قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ‏}‏ فلا يجوز الجلوس في حال القيام في أول الصلاة أو آخرها إلا إذا كان الإنسان عاجزاً، أما إذا كان عاجزاً في بعض الصلاة دون بعضها، فإن يقوم الحال التي يستطيع القيام فيها، ويجلس في الحال التي يعجز عن القيام فيها، فأنت أيتها السائلة صلي على حسب الاستطاعة، لأن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، والله يقول‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إذا أمرتكم بأمر فآتوا منه ما استطعتم‏)‏‏.‏ والله الموفق‏.‏

1075 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ أنا أشكو من مرض في يدي اليسرى، فلا أستطيع أن أحركها ولا أستطيع استخدام إلا يدي اليمنى في الوضوء، ولذلك لا أغسل وجهي ورأسي كاملين، وإذا أردت الصلاة فأسجد بيدي اليمنى فقط، وإني أصلي كل الصلوات لكن أشك في هذه الصلاة وكذلك في الوضوء، فما حكم ذلك‏؟‏ وإذا لا يجوز فهل علي قضاء لهذه الصلوات‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الواجب عليك أن تتوضأ وضوءاً كاملاً، فتغسل وجهك غسلاً كاملاً، وتمسح رأسك مسحاً كاملاً، وهو أمر ليس بممتنع، فيمكن أن تغسل بيدك اليمنى السليمة بعض وجهك، ثم تغسل بعضه الآخر وهكذا بالتناوب فتغسل الأيمن بغرفة والأيسر بغرفة والوسط بغرفة، ثم تعيد ذلك ثلاث مرات حتى تعم وجهك على الوجه الأكمل، وإن اقتصرت على غسلة واحدة لكل جانب غرفة أجزأ ذلك، وكذلك الرأس يمكن أن تدير عليه بيدك من جميع جوانبه وتمسح أذنيك‏.‏ وأما السجود فبإمكانك أن تضع يدك المصابة على الأرض، والمهم أن يكون الكف على الأرض في حالة السجود سواء على باطنها، أو ظهرها، أو أطراف أصابعها، وهذا أمر ممكن لا أظنه يتعذر عليك، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً‏}‏‏.‏ أما ما مضى من الصلوات فإن كنت قد سألت صاحب علم تثق به فلا شيء عليك، وإلا فعليك أن تعيدها من أولها تباعاً‏.‏ والله الموفق‏.‏

1076 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن امرأة تقيم في المملكة مع زوجها منذ سنوات ولم تذهب إلى بلادها، وقبل الحج حضر والدها ووالدتها وأختها، ثم مرضت أختها فلم تصل لشدة المرض لأنها لا تستطيع أن تقف على قدميها، وكانت أمها عن الحج حتى توفيت، وتقول‏:‏ أنها جاءت تائبة لله - عز وعلا – وقد لبست الحجاب وتحشمت، ولكن عندما مرضت ونقلت إلى المستشفى اطلع عليها بعض الأطباء والممرضات الأجنبيات وماتت وهي بينهم فهذا مما يقلقني‏.‏ وقبل موتها تلت آيات من القرآن ثم جاءتها غيبوبة ففاضت روحها معها‏.‏ فهل تعتبر على نية الحج الذي أتت من بلادها لأجله‏؟‏ وماذا عليها‏؟‏ وهل في موتها شيء على هذه الهيئة في المستشفى وبين الأجانب‏؟‏ أفيدونا جزاكم الله خيراً‏.‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الجواب على هذا السؤال من وجهين‏:‏

الوجه الأول‏:‏ أن هذه المرأة تركت الصلاة حسب السؤال لأنها لا تقوى على الوقوف وهذا جهل عظيم، فإن الواجب على المؤمن إذا عجز عن الصلاة قائماً أن يصلي قاعداً، فإن عجز عن القعود صلى على جنبه لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ولقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ‏}‏ ولقوله تعالى في هذه الأمة ‏{‏هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ‏}‏‏.‏ وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمران بن حصين ‏(‏صل قائماً، فإن لم تسطع فقاعداً، فإن لم تسطع فعلى جنبك‏)‏‏.‏

فالواجب على المريض أن يصلي قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، يومئ بالركوع، ويومئ بالسجود إن عجز عن السجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع، فإن لم يستطع الجلوس صلى على جنبه ووجهه إلى القبلة، يومئ بالركوع والسجود ويجعل السجود أخفض، فإن لم يستطع الإيماء صلى بعينه يغمض للركوع ويغمض للسجود أكثر، فإن لم يستطع ذلك أيضاً يصلي بقلبه فينوي الركوع والرفع منه بقلبه، والسجود بقلبه، والجلوس بقلبه، حتى يتم الصلاة‏.‏

ولا تسقط الصلاة ما دام العقل ثابتاً لقول تعالى‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ولقوله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم‏)‏‏.‏

الوجه الثاني‏:‏ فمن جهة هذه المرأة التي جاءت إلى هذه البلاد نادمة على ما وقع منها تائبة من الذنوب، فإنها يرجى لها خير كثير، لا سيما وأنها بادرت بالإقلاع عما كانت تعهده من كشف الوجه، حتى صارت تغطي وجهها، والتزمت بالواجب؛ لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن ستر الوجه واجب، ولابد منه؛ لأن الوجه مظهر المرأة، ومحل الفتنة، وحل الرغبة من الناس، والناس لا تتعلق نفوسهم بشيء بأكثر مما تتعلق من الوجه، وهذا الأمر يشهد به الحس والطبع، ولا يمكن لأحد إنكاره، وإذا كان الوجه محل الرغبة والفتنة كان ستره واجباً، وإذا كان الله سبحانه يقول‏:‏ ‏{‏وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنّ‏}‏ فأفاد بقوله‏:‏ ‏{‏لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ‏}‏ إلى الرجل مستورة، وأن ما فيها من الخلاخيل قد ستر وأخفي، لكن خوفاً من أن يظهر لها صوت نهاها الله أن تضرب برجلها، وهذا أقل بكثير فتنة من الوجه، فكيف لا يكون ستر الوجه واجباً‏؟‏ ‏!‏‏!‏

وإذا كان الله قد نهى المرأة أن تضرب برجلها لئلا يعلم ما تخفي من الزينة، فإنه لا يمكن أن يقال‏:‏ إن إبداء الوجه الذي هو أشد تعلقاً وفتنة من صوت الخلخال، إنه أمر جائز‏.‏

والصواب الذي لا شك فيه أن كشف الوجه المرأة محرم، وأنه لا يجوز أن تكشفه، والإنسان إذا نظر إلى الأدلة الشرع وجد أن هذا هو الصواب المتعين‏.‏

وإذا نظر إلى الواقع أيضاً، وما جرى عليه القول، أو ما جرى عليه افتتان بعض الناس بأنه يجوز كشف الوجه من الويلات والبلاء وتعدي النساء إلى كشف الرقاب، والنحور، والرؤوس، والأذرع، بل والعضدين أحياناً، علم أنه لابد أن تمنع النساء من كشف

الوجوه، لأنه من المعلوم المتفق عليه عند أهل العلم سد الذرائع الموصلة إلى شيء محرم، ولهذا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ‏}‏ فنهى الله عن سب آلهة المشركين مع أن سبها قربة وطاعة وواجب؛ لأنها تفضي إلى مفسدة أعظم وهي سب الله عز وجل‏.‏

والمهم أن هذه المرأة التي حضرت إلى هذه البلاد التي مازال علماؤها المحققون – ولله الحمد – يفتون بما هو حق في هذه المسألة من وجوب ستر الوجه، ثم إن هذه المرأة قد قدمت إلى الحج فهي بنية عبادة من أفضل العبادات، فيرجى لها أجر عظيم‏.‏

وأما ما جرى لها حين علاجها في المستشفى فإنه أمر تعذر به؛ لأنها بحاجة إليه، ولا يلحقها بذلك حرج إن شاء الله تعالى‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

1077 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ والدتي نومت في المستشفى لمدة خمسة أشهر ولم تستطع أداء الصلاة لأجل المرض الذي أصابها وأثر عليها في طهارة جسمها وملابسها وإني خائفة عليها من الإثم لأجل إني ما ذكرتها الصلاة لعلمي بحالتها، أرجو من الله ثم منكم أن تفتيني في هذا الأمر‏؟‏ وجزاكم الله خيراً‏.‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذا السؤال تضمن سؤالين‏:‏

الأول‏:‏ أنك لم تذكري أمك بما يجب عليها من الصلاة، وهذا تهاون منك خطأ، والواجب عليك أنك ذكرتيها و ساعدتيها على الوجه الأكمل، وعليك التوبة‏.‏

وأما السؤال الثاني‏:‏ فهو أن هذه المرأة مريضة وعليها ثياب نجاسة ولا تستطيع أن تغيرها، فالواجب على المريض أن يصلي بحسب حاله، يصلي بوضوء، فإن عجز عن الوضوء تيمم، فإن عجز عن الوضوء والتيمم صلى ولو بدون وضوء ولا تيمم، ويصليها بثياب طاهرة، فإن عجز صلاها ولو بثياب نجسة، ولا حرج عليه، ويصلي على فراش طاهر إن تمكن، فإن لم يتمكن فإنه يفرش عليه شيئاً طاهراً، فإن لم يتمكن صلى ولو كان نجساً للضرورة‏.‏

والمهم أن على المريض أن لا يؤخر الصلاة بل يصليها على أي حال كان، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم‏}‏ ولقوله تعالى‏:‏ ‏{‏حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ‏}‏ وما اعتاده بعض العوام أنه إذا كان على بدنه أو ثيابه نجاسة قال‏:‏ لا أصلي حتى أشفى، فإن هذا خطر عظيم، وخطأ جسيم، فإن مات على هذه الحال فإن عليه إثماً كبيراً‏.‏

فالواجب أن يؤدي الصلاة بحسب الصلاة حاله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمران بن حصين – رضي الله عنه - ‏(‏صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى على جنب‏)‏‏.‏ فعلى المريض أن يقوم، فإن لم يقدر صلى جالساً إن أمكن أن يسجد سجد وإلا أومأ، ويجعل، والسجود أخفض من الركوع، فإن لم يستطع صلى مضطجعاً ووجهه إلى القبلة، فإن لم يتمكن صلى ورجلاه إلى القبلة ويومئ برأسه، فإن عجز أومأ بعينيه، فإن عجز نوى بقلبه فيكبر للقيام والركوع ويقول‏:‏ سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد وهكذا يتم الصلاة، وأما تركها فلا يجوز، والله الموفق‏.‏

1078 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ كيف يصلي المريض‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا مرض الإنسان قلنا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمران بن حصين -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب‏)‏ فإن لم يستطع أومأ برأسه، أما الإيماء بالإصبع فلا أعلم قائلاً به من العلماء، ولا فيه سنة أيضاً، فهو عبث يعني من الحركة مكروهة، لأنها ليست بسنة ولا مشروعة، وأما الحركة بالعين أو الإشارة بالعين فقد قال بها بعض العلماء، قال‏:‏ إذا لم يستطع برأسه أومأ بعينه فيغمض قليلاً للركوع ثم أكثر للسجود، وأما الإصبع فبناء على أنه اشتهر عند العامة فيكون فاعله جاهلاً ولا شيء عليه، لا يعيد صلاته، لكن يجب على طلبة العلم إذا اشتهر عند العامة ما ليس بمشروع أن يكرسوا جهودهم في التنبيه عليه؛ لأن العامة يريدون حقاً لكنهم جهال، فإذا سكت عن هذه الأشياء بقيت على ما هي عليه، لكن إذا نشرت في المجالس، في الخطب، في المواعظ، في المحاضرات، نفع الله بها‏.‏

1079 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن حكم تأخير الصلاة بسبب ركوب الطائرة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الصلاة في الطائرة إذا كان لا يمكن الهبوط قبل خروج الوقت، أو خروج الوقت للصلاة الثانية تجمع إليها ما قبلها أقول‏:‏ الصلاة في هذه الحال واجبة، ولا يجوز تأخيرها عن الوقت، ويصلي الراكب متجهاً إلى القبلة قائماً إن أمكنه ويركع، وعند السجود يجلس ويومئ به، لأن السجود غير ممكن فيما أعرف؛ لأن المقاعد قريب بعضها من بعض، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم‏)‏‏.‏ وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ‏}‏‏.‏

أما إذا كان يمكن هبوط الطائرة قبل خروج الوقت للصلاة الحاضرة، أو التي تليها إن كانت تجمع إليها فإنه لا يصلي في الطائرة لأنه لا يمكنه الإتيان بما يجب، فعليه أن يؤخر الصلاة حتى يهبط ويصليها على الأرض ليتمكن من فعل الواجب‏.‏

فصل

قال فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى - ‏:‏

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلى على نبينا محمد وعلى آله، وصحبه أجمعين، أما بعد‏:‏

كيف يصلي الإنسان في الطائرة‏؟‏

أولاً‏:‏ يصلي في الطائرة وهو جالس على مقعدة حيث كان اتجاه الطائرة ويومئ بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض‏.‏

ثانياً‏:‏ لا يصلي الفريضة في الطائرة إلا إذا كان يتمكن من الاتجاه إلى القبلة في جميع الصلاة، ويتمكن أيضاً من الركوع، والسجود، والقيام، والقعود‏.‏

ثالثاً‏:‏ إذا كان لا يتمكن من ذلك فإنه يؤخر الصلاة حتى يهبط في المطار فيصلي على الأرض، فإن خاف خروج الوقت قبل الهبوط أخرها إلى وقت الثانية إن كانت مما يجمع إليها كالظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، فإن خاف خروج وقت الثانية صلاهما قبل أن يخرج الوقت‏.‏ ‏(‏مثلاً‏)‏ لو أقلعت الطائرة قبيل الغروب الشمس وغابت الشمس وهو في الجو فإنه لا يصلي المغرب حتى تهبط في المطار وينزل فيصلي على الأرض، فإن خاف خروج وقت المغرب أخرها إلى وقت العشاء فصلاهما جمع تأخير بعد نزوله، فإن خاف خروج وقت العشاء، ذلك عند منتصف الليل صلاهما قبل أن يخرج الوقت‏.‏

رابعاً‏:‏ كيفية صلاة الفريضة في الطائرة‏:‏ أن يقف ويستقبل القبلة فيكبر ويقرأ الفاتحة وما تسن قراءته قبلها من الاستفتاح أو بعدها من القرآن، ثم يركع، ثم يرفع من الركوع ويطمئن قائماً، ويسجد ثم يرفع من السجود ويطمئن جالساً، ثم يسجد الثانية، ثم يفعل كذلك في بقية صلاته فإن لم يتمكن من السجود جلس، وأومأ بالسجود جالساً‏.‏

كيف يحرم بالحج والعمرة من سافر في الطائرة‏؟‏

أولاً‏:‏ يغتسل في بيته ويبقى في ثيابه المعتادة، وإن شاء لبس ثياب الإحرام‏.‏

ثانياً‏:‏ فإذا قربت الطائرة من محاذاة الميقات لبس ثياب الإحرام إن نواه من حج أو عمرة‏.‏

رابعاً‏:‏ فإن أحرم قبل محاذاة الميقات احتياطاً خوفاً من الغفلة أو النسيان فلا بأس‏.‏

كتب ذلك محمد الصالح العثيمين في 2 / 5 / 1409هـ‏.‏

1080 - وسئل فضيلة الشيخ‏:‏ أعمل سائق بالطائرة بصفة مستمرة، أيجوز لي أن أصلي جالساً على الكرسي في مكان العمل‏؟‏ وهل يجوز أن أصلي قصراً بصفة مستمرة كلما كنت في أثناء العمل‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذا القائد للطائرة سأل عن مسألتين‏:‏

المسألة الأولى‏:‏ هل يجوز له القصر مع أنه دائماً في سفر‏؟‏

والمسألة الثانية‏:‏ هل يجوز أن يصلي جالساً في مكان القيادة‏؟‏

المسألة الأولى‏:‏ فإنه يقصر لأنه مسافر، والآيات والأحاديث الواردة في القصر لم تخص سفراً دون سفر، وعلى هذا يجوز له أن يقصر لأن هذا الرجل مسافر وله بلد يأوي إليه وأهلاً يقيم فيهم، فإذا فارقهم فهو مسافر، فيجوز له القصر‏.‏ ويجوز له الفطر في رمضان أيضاً، لكونه على سفر‏.‏

وأما المسألة الثانية‏:‏ عن جواز الصلاة في مكان القيادة‏:‏ فإن كانت الصلاة نافلة فلا حرج عليه في ذلك ويتجه حيث كان اتجاه الطائرة؛ لأنه ثبت عن النبي أنه كان يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به، وهكذا من كان في الطائرة أو في السيارة‏.‏

أما إذا كانت الصلاة فرضاً فإنه لا يجوز له أن يصلي في هذا المكان، إذا كانت الطائرة يمكن أن تهبط في المطار قبل الخروج وقت الصلاة، أو قبل خروج وقت الثانية إذا كانت الصلاة التي أدركته مما تجمع إليها، مثلاً لو أدركه وقت صلاة الظهر وهو يعرف أنه سوف يهبط في المطار في وقت صلاة العصر، قلنا له‏:‏ اجمع صلاة الظهر مع العصر، لتصليهما جميعاً على الأرض، أما إذا كانت الرحلة طويلة فلا يمكن أن ينزل في الأرض قبل خروج وقت الصلاة فإنه لا يجوز له أن يصلي في مكان القيادة لأنه يحتاج إلى ملاحظة الطائرة وطيرانها فحينئذ نقول له للضرورة صل ولو كنت في مكانك وأت بما يقدر عليه من واجبات الصلاة ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، أما إذا كان الجو لطيفاً ولا خطر فإنه يجب أن يصلي في مكان يتمكن فيه من القيام والركوع، والسجود، والقعود، استقبال القبلة‏.‏

1081 - سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى - ‏:‏ ما حكم الصلاة على الراحلة في الحضر‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الصلاة في الراحلة إن كانت فريضة فإنها لا تصح لا في الحضر ولا في السفر إلا للضرورة، مثل أن تكون السماء تمطر، والأرض مبتلة، لا يمكنهم النزول عليها والسجود عليها، وأما النافلة فإنها تجوز في السفر خاصة على الراحلة، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي النافلة على راحلته حيثما توجهت به‏.‏ وأما في الحضر فلا يجوز‏.‏

1082 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن رجل ركب الطائرة وحان وقت الصلاة فكيف يصلي‏؟‏ أفتونا وفقكم الله‏.‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا حان وقت الفريضة وأنت في الطائرة فلا تصلها في الطائرة بل انتظر حتى تهبط في المطار إن اتسع الوقت، إلا أن يكون في الطائرة محل خاص يمكنك أن تصلي فيه صلاة تامة تستقبل فيها القبلة، وتركع، وتسجد، وتقوم وتقعد فصلها في الطائرة حين يدخل الوقت فإن لم يكن في الطائرة مكان خاص يمكنك أن تصلي فيه صلاة تامة وخشيت أن يخرج الوقت قبل هبوط الطائرة، فإن كانت الصلاة مما يجمع إلى ما بعدها كصلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء، ويمكن أن تهبط الطائرة قبل خروج وقت الثانية فأخر الصلاة الأولى واجمعها إلى الثانية جمع تأخير، ليتسنى لك الصلاة بعد هبوط الطائرة فإن كانت الطائرة لا تهبط إلا بعد خروج وقت الثانية فصل الصلاتين حينئذ في الطائرة على حسب استطاعتك فتستقبل القبلة، وتصلي قائماً، وتركع إن استطعت، وإلا فأومئ بالركوع وأنت قائم، ثم اسجد إن استطعت، وإلا فأومئ بالسجود جالساً

وخلاصة الجواب كما يلي‏:‏

أ – إن استطعت أن تصلي في الطائرة صلاة تامة فصلها حين يدخل الوقت كما لو كنت على الأرض‏.‏

ب - إن لم تستطع فأخر الصلاة حتى تهبط الطائرة‏.‏

جـ - إن خشيت خروج الوقت قبل هبوط الطائرة فصل الصلاة وائت بما تستطيع من واجباتها وأركانها وشروطها، إلا إذا كانت مما يجمع إلى ما بعدها، وصارت الطائرة تهبط قبل خروج وقت الثانية فأخر الأولى إلى الثانية ودليل هذا كله قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم‏}‏ وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم‏)‏‏.‏

حرر في 24رجب 1407هـ‏.‏

1083 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ متى تجب الصلاة في الطائرة‏؟‏ وعن كيفية الصلاة الفريضة في الطائرة‏؟‏ وعن كيفية صلاة النافلة في الطائرة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ تجب الصلاة إذا دخل وقتها، لكن إذا كان لا يتمكن من أداء الصلاة في الطائرة إذا كان يمكن هبوط الطائرة قبل خروج وقت الصلاة، أو خروج وقت التي بعدها مما يجمع إليها‏.‏ فمثلاً لو أقلعت الطائرة من جدة قبيل غروب الشمس، وغابت الشمس وهو في الجو فإنه لا يصلي المغرب حتى تهبط الطائرة في المطار، وينزل منها، فإن خاف خروج وقتها نوى جمعها إلى العشاء جمع تأخير وصلاهما إذا نزل، فإن استمرت الطائرة حتى خاف أن يخرج وقت العشاء، وذلك عند منتصف الليل فإنه يصليهما قبل أن يخرج الوقت في الطائرة‏.‏

وكيفية صلاة الفريضة في الطائرة أن يقوم مستقبل القبلة فيكبر، ثم يركع، ثم يرفع من الركوع، ثم يسجد فإن لم يتمكن من السجود جالساً، وهكذا يفعل حتى تنتهي الصلاة وهو في ذلك كله مستقبل القبلة‏.‏

أما كيفية صلاة النافلة على الطائرة فإنه يصليها قاعداً على مقعده في الطائرة و يومئ بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض‏.‏ والله الموفق‏.‏ حرر في 22 / 4 / 1409 هـ‏.‏

1084 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ في بعض الأحيان أكون مسافراً بالطائرة أو بالسيارة، ثم يدخل وقت الصلاة أثناء الرحلة، وهناك لا أعرف اتجاه القبلة ولا أتمكن من الركوع أو السجود، ولست على وضوء ولا أجد ما أتيمم به، فيؤخر الصلاة عن وقتها وأقضيها متى وجدت الماء وتمكنت من الصلاة فهل فعلى هذا صحيح‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ فعلك هذا ليس بصحيح، فإن الصلاة يجب أن تؤدي وتفعل في وقتها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً‏}‏‏.‏ وإذا وجب أن تفعل في وقتها فإنه يجب على المرء أن يقوم بما يجب فيها بحسب المستطاع، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم‏}‏‏.‏ ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب‏)‏‏.‏

ولأن الله – عز وجل – أمرنا بإقامة الصلاة حتى في حال الحرب والقتال، ولو كان تأخير الصلاة عن وقتها جائزاً لمن عجز عن القيام بما يجب فيها من شروط، وأركان، وواجبات، ما أوجب الله تعالى الصلاة في حال الحرب‏.‏

وعلى هذا يتبين أن ما فعله الأخ السائل من كونه يؤخر الصلاة إلى ما بعد الوقت ثم يصليها قضاء بناء على أنه لا يعرف القبلة، وأنه ليس عنده ماء وأنه لا يتمكن من الركوع والسجود يتبين أن فعله هذا خطأ‏.‏

ولكن ماذا يصنع المرء في مثل هذه الحال‏؟‏ نقول‏:‏ يتقي الله ما استطاع، فبالنسبة إلى القبلة يمكنه أن يسأل المضيفين في الطائرة عن اتجاه القبلة، فيتجه حيث وجهوه إليه، وهذا في الصلاة الفريضة‏.‏ أما النافلة فيصلي حيث كان وجهه كما هو ما معروف‏.‏

وبالنسبة للقيام، وللركوع، والسجود نقول له‏:‏ قم؛ لأن القيام ممكن والطائرة في الجو، ونقول له‏:‏ اركع؛ لأن الركوع ممكن لا سيما في بعض الطائرات التي يكون ما بين المقاعد فيها واسعاً،

فإن لم يتمكن من الركوع نقول له‏:‏ تومئ بالركوع وأنت قائم، وفي حال السجود نقول‏:‏ اسجد، والغالب أن لا يتمكن إن لم يكن في الطائرة مكان معد للصلاة، فإذا لم يتمكن من السجود قلنا له‏:‏ اجلس بعد أن تقوم من الركوع وتأتي بالواجب اجلس وأومئ بالسجود وأنت جالس، وأما الجلوس بين السجدتين والتشهد فأمرهما واضح، وبهذا تنتهي الصلاة ويكون قد اتقى الله فيها ما استطاع‏.‏

وأما ما يتعلق بالوضوء فنقول‏:‏ إذا لم يكن ماء لديك وليس هناك ماء يمكن أن تتوضأ به أو شيء يتيمم به فإنك تصلي ولو بلا وضوء ولا تيمم؛ لأن ذلك هو منتهى استطاعتك وقدرتك، ولكن لا تؤخر الصلاة عن وقتها إلا إذا كانت الصلاة مما يجمع إلى ما بعده، كما لو كانت الرحلة في وقت الظهر وبإمكانك أن تؤخر الظهر إلى العصر فتجمعهما جمع تأخير في صلاة العصر‏.‏ فهذا جائز، بل يكون واجباً في هذه الحال‏.‏

1085 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ متى وكيف تكون صلاة المسافر وصومه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ صلاة المسافر ركعتان من حين أن يخرج من بلده إلى أن يرجع إليه، لقول عائشة – رضي الله عنها - ‏(‏الصلاة أول ما فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر‏)‏‏.‏ وفي رواية ‏(‏وزيد في صلاة الحضر‏)‏ وقال أنس ين مالك – رضي الله عنه - ‏(‏خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين، ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة‏)‏‏.‏

لكن إذا صلى مع إمام يتم صلى أربعاً سواء أدرك الصلاة من أولها، أم فاته شيء منها لعموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة، وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا‏)‏‏.‏ فعموم قوله ‏(‏ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا‏)‏ يشمل المسافرين الذين يصلون وراء الإمام الذي يصلي أربعاً وغيرهم‏.‏ وسئل ابن عباس – رضي الله عنهما – ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد، وأربعاً إذا ائتم بمقيم‏؟‏ ‏!‏فقال‏:‏ تلك السنة‏.‏

ولا تسقط صلاة الجماعة عن المسافر؛ لأن الله تعالى أمر بها في حال القتال فقال‏:‏ ‏{‏وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ من الآية102‏]‏‏.‏ الآية‏.‏ وعلى هذا فإذا كان المسافر في بلد غير بلده وجب عليه أن يحضر الجماعة في المسجد إذا سمع النداء إلا أن يكون بعيداً أو يخاف فوت رفقته، لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة على من سمع النداء أو الإقامة‏.‏

وأما التطوع بالنوافل‏:‏ فإن المسافر يصلي جميع النوافل سوى راتبه الظهر، والمغرب، وراتبه الفجر وغير ذلك من النوافل غير الرواتب المستثناة‏.‏

أما الجمع‏:‏ فإن كان سائراً فالأفضل له أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، إما الجمع تقديم، وإما جمع تأخير حسب الأيسر له، وكلما كان فهو أفضل‏.‏

وإن كان نازلاً فالأفضل أن لا يجمع، وإن جمع فلا بأس لصحة الأمرين عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏.‏

وأما صوم المسافر في رمضان فالأفضل الصوم أفطر فلا بأس ويقضي عدد الأيام التي أفطرها، إلا أن يكون الفطر أسهل له، فالفطر أفضل؛ لأن الله يحب أن تؤتي رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، والحمد لله رب العالمين‏.‏

كتبه محمد الصالح العثيمين في 5 / 12 / 1409هـ‏.‏

1086 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ من خرج للنزهة هل يجوز له القصر في الصلاة والجمع‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كان خروجهم يعد سفراً فلهم القصر، لكن بدون جمع، إلا أن يحتاجوا إلى الجمع بحيث يشق عليهم أن يصلوا كل صلاة في وقتها، إما لشدة البرد، أو قلة الماء ونحو ذلك، وأما مع عدم الحاجة فلا يجمعون بل يصلون كل صلاة في وقتها‏.‏

فإذا كانت المسافة بين البلد وبين محل النزهة ثلاثة فراسخ – أي تسعة أميال – وصاروا يقيمون إقامة يحملون من أجلها الزاد والمزاد كاليومين والثلاثة فهم مسافرون، يترخصون برخص السفر، لما رواه مسلم عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال ‏(‏كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين‏)‏‏.‏ وقد ذكر فقهاؤنا رحمهم الله‏:‏ كأنه لا فرق بين أن يكون السفر لعبادة كسفر الحج والعمرة، أو لتجارة، أو لزيارة صديق أو لنزهة؛ لأن النصوص جاءت مطلقة غير مقيدة‏.‏

وأما من يخرج يوماً ويرجع في يومه، أو في أول الليل ويرجع في آخره فلا يترخص‏.‏ حرر في 17 / 7 / 1412هـ‏.‏

1087 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ هل يجوز القصر في السفر بعد الوصول إلى المدينة المراد السفر لها لقضاء حاجة منها ثم الرجوع‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الإنسان يجوز له أن يقصر الصلاة من حين أن يفارق بلده إلى أن يرجع إليها، هكذا كان -صلى الله عليه وسلم- يفعل، ‏(‏وقد أقام -صلى الله عليه وسلم- بمكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة‏)‏، و ‏(‏أقام عليه الصلاة والسلام في تبوك عشرين يوماً يقصر‏)‏، وأقام عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – ‏(‏بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة، حيث حبسه الثلج‏)‏‏.‏

ولكن إذا كنت في بلد تسمع النداء فيه، فعليك أن تجب النداء، وإذ صليت مع الإمام عليك الإتمام، لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا‏)‏‏.‏ ولقوله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به‏)‏‏.‏ ولأن ابن عباس – رضي الله عنهما – سئل‏:‏ عن الرجل إذا كان مسافراً وصلى مع الإمام يصلي أربعاً وإذا كان وحده يقصر‏؟‏ قال‏:‏ تلك هي السنة، فإذا سمعت النداء فأجب وأتم مع الإمام، فلو صليت معه ركعتين وسلم فإن عليك أن تتم الركعتين الباقتين‏.‏ ولكن لو أنك لم تسمع النداء، أو كنت في مكان ناء عن المساجد، أو فاتتك الجماعة، فإنك تصلي ركعتين مادمت في البلد الذي سافرت إليه بنية الرجوع إلى بلدك، الله الموفق‏.‏

1088 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ نحن من سكان مكة المكرمة ولنا جماعة يبعدون عن مكة مسافة ستين وثلاثمائة كيلو متر، نذهب لزيارتهم فنقصر في الطريق، وإذا وصلنا إليهم فإننا نصلي معهم بدون قصر أو جمع، فهل علينا حرج ف ذلك‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ ليس عليكم في هذا حرج؛ لأن المسافة مسافة بعيدة، وأنتم تقيمون عندهم أياماً، فما دمتم على هذه الحال فإنكم مسافرون، ولكن إذا صليتم معهم فلا بد أن تتموا أربعاً‏.‏

1089 - سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى - ‏:‏ عن رجل قدم إلى مكة ليقضي بها العشر الأواخر من رمضان فهل يجوز له الفطر وقصر الصلاة وترك الرواتب‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الذي قدم إلى مكة ليقضي فيها العشر الأواخر هو في حكم المسافر‏.‏ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏قدم عام الفتح في اليوم التاسع عشر، أو اليوم العشرين وبقي فيها تسعة عشر يوماً‏)‏، وفي صحيح البخاري من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصم بقية الشهر‏)‏، فكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- مفطراً في العشر الأواخر من رمضان وهو في مكة‏.‏

وأما القصر، فإن كان رجلاً فإن الواجب عليه أن يحضر الجماعة في المساجد، وإذا حضر لزمه الإتمام، لكن لو فاتته الصلاة فإنه يصلي ركعتين، والمرأة إذا صلت في بيتها فإنها تصلي ركعتين، وإن صلت في المسجد وجب عليها أن تصلي أربعاً‏.‏

وأما الرواتب، فإنني قد تأملت ما جاءت به السنة في النوافل وتبين لي أن راتبه الظهر، والمغرب، والعشاء لا تصلي، وما عدا ذلك النوافل فإنه يصلي مثل سنة الفجر، وسنة الوتر، وصلاة الليل، وصلاة الضحى، وتحية المسجد حتى النفل المطلق أيضاً‏.‏

1090 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ كيف الجمع والقصر للمسافر بالطائرة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ القصر للمسافر في الطائرة وغيرهما وكذلك الجمع لكن الأفضل أن لا يجمع إلا إذا كان سائراً غير نازل حرر في 22 / 4 / 1409هـ‏.‏

1091 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن رجل دعي لعزيمة خارج بلده فهل يعتبر هذا سفراً يأخذ أحكام السفر من قصر الصلاة وجمعها وغير ذلك من أحكام أو لا‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا دعي الشخص لعزيمة خارج البلد وبلغ مسافة تعتبر سفراً فإنه لوجود حقيقة السفر في حقه، ولكنه لا يقصر حتى يبلغ المسافة التي تعتبر سفراً، أما لو خرج من بلده وهو يعلم أنه إلى مسافة تعتبر سفراً فإنه يقصر من حيث خروجه من بلده؛ لأنه قد تحقق السفر من حيث خرج‏.‏

1092 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ سافرت مع أصدقائي للبر من أجل النزهة، وكانت المسافة أكثر من مائة كيلو، فهل يجوز أن نقصر الصلاة ونجمعها‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الصلاة آكد الأركان الإسلام بعد الشهادتين، ولا يحل لمسلم أن يتركها حضراً ولا سفراً مادام معه فكره‏.‏

وأما بالنسبة لسفرك مع أصدقائك فإنه يجوز لكم القصر والجمع وخاصة إذا كنتم مستمرين بالمسير‏.‏ أما إذا نزلتم في مكان قررتم البقاء فيه حتى دخول وقت الصلاة الأخرى، فالأولى في حقكم عدم الجمع بل القصر فقط‏.‏ والله أعلم‏.‏

1093 - سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى - ‏:‏ ما السفر المبيح للفطر والقصر‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ السفر المبيح للفطر وقصر الصلاة عند بعض العلماء هو واحد وثمانون كيلو متراً ونصف تقريباً، ومن العلماء من لم يحدد مسافة للسفر بل كان كل ما كان في عرف الناس سفراً فهو سفر، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ‏(‏إذا سافر ثلاثة فراسخ قصر الصلاة‏)‏‏.‏ والسفر المحرم ليس مبيحاً للقصر ولا للفطر؛ لأن سفر المعصية لا تناسبه الرخصة، وبعض أهل العلم يرى أنه مبيح لذلك ولا يفرق بين سفر المعصية وسفر الطاعة لعموم الأدلة والعلم عند الله‏.‏

رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين يحفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد‏:‏

خرجت أنا و مجموعة معي إلى البر في نزهة وذلك يوم الخميس الموافق 29 / 6 / 1418 هـ، وعندما حان وقت صلاة الظهر أذن أحدنا فصلينا، إلا أن الإمام قصر الصلاة، وعند ذلك قمت فأتممت ركعتين لوحدي – أي تممت أربعاً – فحصل جدال بيننا وكلام غير لائق، فطلبت من الإمام أن يكون الكلام بيني وبينه فقط، فسألته‏:‏ كهل نحن مسافرون‏؟‏ وهل خرجنا من أهلنا بنية السفر‏؟‏ أجاب بقوله‏:‏ لا، نحن في نزهة ولكننا مشينا أكثر من ثمانين كيلو متر بالسيارة، قلت له‏:‏ هذا ليس بحجة شرعية، فنحن أفطرنا في مكان وسوف نتغدى هنا والعشاء في مكان آخر، ولربما تمشي السيارة أكثر من مائتي كيلو متر فلم يقنع الجميع، وحضرت صلاة العصر فكان الوضع مثل صلاة الظهر تماماً، قصراً وأتممت أنا، فقال أحدهم‏:‏ أنت متزمت، والعلماء أفتوا بذلك، ومنهم الشيخ ابن عثيمين، فطلبت الفتوى فقال‏:‏ ما عندي فتوى، ولكن كل يقوله، فقلت له‏:‏ اتق الله لا تتكلم بغير علم، ولا تنقل عن العلماء إلا وأنت متأكد، وغادرنا المكان إلى مكان آخر، وغربت الشمس ونحن بالقرب من جبل ابانات، مع العلم أنه يبعد عن الرس 70 كم تقريباً، فصلينا المغرب، فقام الجميع بنية صلاة العشاء جمعاً وقصراً إلا أنا واثنان صلينا العشاء عندما وصلنا إلى الرس‏.‏

آمل من فضيلتكم الإجابة المفصلة الكافية في مثل هذا الأمر، وجزاكم الله خيراً‏.‏

فأجاب فضيلته‏:‏ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته‏.‏

من العلماء من يرى أن مسافة القصر بالمساحة، فمتى بلغ خروجه بضعاً وثمانين كيلو فهو مسافر يحل له القصر والجمع، ومن العلماء من يرى أن المعتبر العرف، فما عده الناس سفراً يستعدون له استعداد السفر ويودع عند خروجه ويستقبل عند قدومه فهو سفر، وما لا فلا‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ من أواه الليل إلى أهله فليس بمسافر‏.‏

وإذا كانت المسألة خلافية فلا ينبغي أن تكون المخالفة فيها مثاراً للنزاع واللجاج، فإتمامك الصلاة لكونك لا ترى أنكم في سفر لا ينكر عليك، وقصر الإمام صلاته لا ينكر، لكن من أشكل عليه الأمر وجب عليه الإتمام؛ لأنه الأصل‏.‏

كتبه محمد الصالح العثيمين في 2 / 8 / 1481هـ‏.‏

1094 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ نحن مجموعة ندعى إلى بعض الولائم في مزرعة تبعد عن موقعنا من خمسين كيلو إلى ستين كيلو متراً ويقرب من المزرعة قرى تبعد 10إلى 15 كم فهل يجوز لنا قصر الصلاة بحجة أنه سفر، أفيدونا جزاكم الله خيراً‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذه المسافة لا تعد سفراً، ولا عند الذين يحددون السفر بالمسافة، ولا على ما يظهر لنا من القول بأن مرجع السفر إلى العادة؛ وذلك لأن من يخرج و يرجع في يوم لا يعد مسافراً غرفاً، اللهم إلا أن تبعد المسافة كما لو سافر من الرياض إلى مكة ورجع في يومه، فإن هذا يسمى مسافراً لبعد المسافة‏.‏

أما ما ذكره السائل فإنه لا يعد سفراً لا عند المحددين بمسافة ولا عند القائلين إنه يرجع في ذلك إلى العرف‏.‏

1095 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ تكثر الاستراحات القريبة من مدينة الرياض، فهل يجوز لمن يذهب إلى هذه الاستراحات قصر وجمع الصلاة وخصوصاً إن المسافة تتفاوت‏؟‏ وما السافة المحددة لجواز قصر الصلاة‏؟‏ وهل تحتسب المسافة من منزل من أراد الذهاب إلى تلك الأماكن أو من آخر بنيان في المدينة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ ليس من السفر؛ لأن الذين يخرجون لهذه المنتزهات لا يعدون أنفسهم من المسافرين، ثم على القول بأن مسافة القصر مقدرة بالكيلوات فإن المعتبر أطراف البلد، فمتى بعدوا عن أطراف البلد مسافة الكيلومترات المعتبرة فإنهم يقصرون‏.‏ ولو قصرت مدة إقامتهم في هذا المكان‏.‏

1096 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ هل يجوز للمسافر قصر صلاة الظهر وإتمام صلاة العصر كاملة‏؟‏ وما هي المدة التي يجوز قصر الصلاة فيها‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كان مسافراً فإن العلة موجودة في الصلاتين فلماذا يفرق بينهما‏؟‏ وعلى كل حال فإنه جائز أن يقصر إحدى الصلاتين ويتم الأخرى، ولكنه بخلاف السنة، فالسنة أن يقصر الصلاتين جميعاً مادام مسافراً‏.‏

أما المدة التي ينقطع بها حكم بها حكم السفر فإنها محل خلاف بين أهل العلم، وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – في الفتاوى هذه المسألة بسطاً فليرجع إليه من أراد الوقوف عليه‏.‏

1097 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ أعمل سائق شاحنة ويتطلب ذلك مني سفراً دائماً فهل يجوز لي قصر الصلاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ قصر الصلاة متعلق بالسفر فما دام الإنسان مسافراً فإنه يشرع له قصر الصلاة، سواء كان سفره نادراً أم دائماً، إذا كان له وطن يأوي إليه ويعرف أنه وطنه، وعلى هذا فيجوز لسائق الشاحنة أن يترخص برخص السفر من قصر الصلاة، والمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها والفطر في رمضان وغيرها من رخص السفر‏.‏

1098 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ ما مقدار المسافة التي يقصر المسافر فيها الصلاة‏؟‏ وهل يجوز الجمع دون قصر‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ المسافة التي تقصر فيها الصلاة حددها بعض العلماء بنحو ثلاثة وثمانين كيلو متراً، وحددها بعض العلماء بما جرى به العرف، أنه سفر وإن لم يبلغ ثمانين كيلو متراً، وما قال الناس عنه‏:‏ إنه ليس بسفر، فليس بسفر ولو بلغ مائة كيلو متر‏.‏

وهذا الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – وذلك لأن الله تعالى لم يحدد مسافة معينة لجواز القصر وكذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحدد مسافة معينة‏.‏ وقال أنس بن مالك – رضي الله عنه - ‏(‏كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج ثلاثة أميال أو فراسخ قصر الصلاة وصلى ركعتين‏)‏‏.‏ وقول شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله تعالى – أقرب إلى الصواب‏.‏

ولا حرج عند اختلاف العرف فيه أن يأخذ الإنسان بالقول بالتحديد؛ لأنه قال به بعض الأئمة والعلماء المجتهدين، فليس عليهم به بأس إن شاء الله تعالى، أما مادام الأمر منضبطاً فالرجوع إلى العرف هو الصواب‏.‏ وأما هل يجوز الجمع إذا جاز القصر فنقول‏:‏ الجمع ليس مرتبطاً بالقصر، الجمع مرتبط بالحاجة؛ فمتى احتاج الإنسان للجمع في حضر في أو سفر فليجمع؛ ولهذا يجمع الناس إذا حصل مطر يشق على الناس من أجله الرجوع إلى المساجد، ويجمع الناس إذا كان هناك ريح باردة شديدة أيام الشتاء يشق على الناس الخروج إلى المساجد من أجلها، ويجمع إذا كان يخشى فوات ماله أو ضرراً فيه، أو ما أشبه ذلك يجمع الإنسان‏.‏ وفي الصحيح مسلم عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال ‏(‏جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر‏)‏‏.‏

فقالوا‏:‏ ما أراد‏؟‏ قال‏:‏ أراد أن لا يحرج أمته؛ أي‏:‏ لا يلحقها حرج في ترك الجمع‏.‏ وهذا هو الضابط كلما حصل للإنسان حرج في ترك الجمع جاز له الجمع، وإذا لم يكن عليه حرج فلا يجمع، لكن السفر مظنة الحرج بترك الجمع، وعلى هذا يجوز للمسافر أن يجمع أن جاداً في السفر أو مقيماً؛ إلا أنه إن كان جاداً ا في السفر فالجمع أفضل، وإن كان مقيماً فترك الجمع أفضل‏.‏ ويستثنى من ذلك ما إذا كان الإنسان مقيماً في بلد تقام فيه الجماعة فإن الواجب عليه حضور الجماعة، وحينئذ لا يجمع ولا يقصر، لكن لو فاتته الجماعة فإنه يقصر بدون جمع؛ إلا إذا احتاج إلى الجمع‏.‏

1099 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن طلاب يذهبون للدراسة في بلد تبعد عن بلدهم المقيمين فيه ما يقرب من تسعين كيلو متراً، مع العلم بأنهم يذهبون ويرجعون في نفس اليوم، فهل لهم قصر الصلاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ أرى أن لا يقصروا الصلاة؛ لأن هذا لا يعد سفراً، إذ أنهم يفطرون في بيوتهم، ويتغدون في بيوتهم، ويرى بعض العلماء الذين يقدرون السفر بالمسافة فيقولون‏:‏ مسافة القصر حوالي واحد ثمانين كيلو، أو ثلاث وثمانين كيلو، أن يقصروا؛ لأنهم مسافرين على قولهم، لكني لا أرى أن يفعلوا، وأن عليهم أن يتموا الصلاة، والمسألة سهلة وهي زيارة ركعتين، فلا تضر ولا يحصل بها تعب‏.‏

1100 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ إذا كنت على سفر فأدركت الإمام في الركعة الثالثة وصليت معه ركعتين فهل إذا سلم الإمام أسلم لأنني قاصرٌ للصلاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كان الإنسان مسافراً وأدرك الإمام من أول الصلاة وجب عليه أن تتم مع الإمام، وكذلك إذا أدرك الإمام في أثناء الصلاة وجب عليه أن يقضي ما فاته مع الإمام، فإذا جاء ودخل مع الإمام في الركعة الثالثة من الرباعية وجب عليه أن يصلي مع الإمام ركعتين، وإذا سلم الإمام أتم صلاته بركعتين أيضاً، وذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به‏)‏‏.‏ ولقوله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا‏)‏ فقوله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏ما فاتكم فأتموا‏)‏ عام للمسافرين وغير مسافرين وكذلك جاء ابن عباس – رضي الله عنهما – أن هذا هو السنة‏.‏

1101 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ إذا كنت مسافرا إلى مكة ثم وقفت بمدينة من المدن وقد أذن العصر ثم دخلت إلى المسجد فوجدت الإمام الراتب قد صلي ركعتين أثنين فدخلت معه وصليت الركعتين الباقيتين معه فهل أسلم معه على اعتبار أنني مسافر وللمسافر قصر الرباعية أو آتي بركعتين أخريين لأتم أربعاً على اعتبار قولهم ‏(‏وإن ائتم بمن يلزمه الإتمام به أتم‏)‏‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ قال أصحابنا ‏(‏وإن ائتم بمن يتم أتم‏)‏ وعلى هذا فمتى ائتم المسافر بإمام مقيم لزمه إتمام الصلاة، سواء أكان مسبوقاً أم غير مسبوق، ولا فرق في ذلك بين الظهر، والعصر والعشاء، ونحن نرى هذا القول حقاً بدليل عموم النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا‏)‏‏.‏ ولأن المأموم صلاته مرتبطة بصلاة إمامه ومأمور بالاقتداء به وهذا منه‏.‏ والله أعلم‏.‏

1102 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ هل يجوز للمقيم أن يصلي خلف المسافر وهو يقصر ثم يتم بعد الصلاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم يجوز للمسافر أن يكون إماماً للمقيمين، وإذا سلم يقوم المقيمون فيتمون الصلاة بعده، ولكن ينبغي للمسافر الذي أم المقيمين أن يخبرهم قبل أن يصلي فيقول لهم إنا مسافرون فإذا سلمنا فأتموا صلاتكم؛ لأن النبي صلى بمكة عام الفتح وقال ‏(‏أتموا يأهل مكة فإنا قوم سفر‏)‏‏.‏ فكان يصلي بهم ركعتين وهم يتمون بعده‏.‏

1103 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ كنت مسافراً ودخلت مسجداً على الطريق وكان الوقت عصراً فصليت وحدي خلف الصفوف وقصرت الصلاة، فهل تصح صلاتي أم أن الواجب علي الدخول مع الإمام حتى إذا قام من التشهد الأول جلست وسلمت من الصلاة‏؟‏ أفيدوني جزاكم الله خيراً‏.‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا دخل المسجد ووجد الناس يصلون فإن الواجب عليه أن يصلي معهم إذا كان لم يؤد تلك الفريضة، وإذا كان مسافراً والإمام متم فإن الواجب عليه أن يتم الصلاة سواء أدركها من أولها في أثنائها لعموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا‏)‏‏.‏

ولأن ابن عباس – رضي الله عنهما – سئل‏:‏ عن الرجل المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين، وإذا صلى مع الإمام صلى أربعاً‏؟‏ فقال – رضي الله عنه -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏تلك هي السنة‏)‏‏.‏ نعم لو دخل ووجد الناس في التشهد الأخير فإنه في هذه الحال لا يلزمه الدخول معهم؛ لأن الصلاة قد فاتته لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة‏)‏‏.‏ وهذا لم يدرك ركعة فتكون الصلاة فاتته‏.‏

1104 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن المسافر إذا صلى خلف الإمام المقيم هل يلزمه الإتمام أو يجوز أن يقصروا الصلاة على ركعتين‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يجب على المسافر إذا صلى مع الإمام المقيم أن يتم صلاته سواء أدرك الإمام في أول الصلاة، أو أدرك الركعتين الأخيرتين فقط؛ وذلك لعموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به‏)‏‏.‏ وقوله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا‏)‏‏.‏ ولأن ابن عباس سئل ‏(‏عن الرجل المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين، وإذا صلى مع الإمام، يصلي أربعاً‏؟‏ فقال‏:‏ تلك هي السنة‏)‏‏.‏ وقول الصحابي عن أمر من الأمور‏:‏ إنه من السنة، أو هذا هو السنة له حكم الرفع‏.‏ فيجب على المسافر إذا صلى مع إمام مقيم أن يتم أربعاً سواء دخل مع الإمام في أول الصلاة، أم في الركعة الثالثة، أم في الرابعة، وأما بالعكس لو صلى المقيم خلف مسافر فإنه يجب عليه أن يتم أربعاً بعد سلام الإمام المسافر، فإذا صلى الإمام ركعتين وأنت مقيم فإذا سلم فأتم ما عليك؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأهل مكة عام الفتح ‏(‏أتموا فإنا قوم سفر‏)‏‏.‏ أي مسافرون‏.‏

1105 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ مسافر أخر صلاة المغرب ليجمعها مع صلاة العشاء وأدرك الناس في المدينة يصلون العشاء فكيف يصنع‏؟‏ أفتونا مأجورين‏.‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ ينضم معهم صلاة المغرب، وفي هذه الحال إن كان قد دخل مع الإمام في الركعة الثانية فالأمر ظاهر ويسلم مع الإمام؛ لأنه يكون صلى ثلاثاً، و إن دخل في الثالثة أتى بعده بركعة، أما إن دخل في الركعة الأولى من صلاة العشاء وهو يصلي بنية المغرب فإن الإمام إذا قام إلى الرابعة يجلس هو يتشهد ويسلم، ثم يدخل مع الإمام في بقية صلاة العشاء حتى يدرك الجماعتين في الصلاتين، وهذا الانفصال جائز لأنه لعذر، والانفصال لعذر جائز كما ذكر ذلك أهل العلم، ومن الانفصال لعذر ما لو طرأ على الإنسان في أثناء الصلاة طارئ يستلزم السرعة في الصلاة فإن له أن ينفرد عن الإمام ويكمل صلاته خفيفة ثم يذهب لهذا الطارئ مثل لو حصل له آلام في بطنه، أو اضطرار إلى التبول، أو تغوط، أو حصل في معدته روجان يخشى أن يقئ في صلاته وما أشبه ذلك‏.‏

والمهم أن الانفراد لعذر عن الإمام جائز وهذا انفراد لعذر، ولا حرج عليه أن يدخل معهم بنية صلاة العشاء ثم بعد ذلك يأتي بالمغرب؛ لأن من أهل العلم من يقول إن الترتيب يسقط بخوف فوت الجماعة، ولكن الوجه الأول عندي أولى‏.‏

1106 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن جماعة يعملون في إحدى الإدارات الحكومية وقد نقلوا قريباً من الحدود لمدة شهر أو شهرين أو أكثر أو أقل ويحملون في هذا السفر ما يحمله المسافر من الزاد والمتاع على السيارات بمسافة تبعد 470 كيلو أو أكثر، ومع ذلك فنحن نقصر الصلاة ونجمع أحياناً إذا اشتد بنا السير عملاً بسنة الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن بعض الأفراد يتمون الصلاة في هذه المسافة النائية والغربة الطارئة فنرجو منكم بيان سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أسفاره الثابتة عنه‏؟‏ وهل يصح أن المسافر يتم الصلاة‏؟‏ وهل صح أن المسافر يصلي الرواتب المقرونة بالصلاة في سفره‏؟‏ وهل يصح أن المدة المقصودة للمسافر يتم فيها صلاته‏؟‏ و هل صح أن البعيد عن أهله وأولاده ووطنه في مثل هذه المسافة يقصر صلاته و يأخذ في رخص السفر‏؟‏ نرجو من سماحتكم بيان الحكم

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ القول الصواب أن من كان في مثل حالكم فله القصر والجمع؛ لأنكم في سفر، لكن ترك الجمع أفضل إلا عند الحاجة، وهذا ما تقتضيه الأدلة الشرعية، فقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ من الآية101‏]‏ ولم يقيد ذلك بمدة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سافر يقصر الصلاة حتى يرجع إلى المدينة مع إقامته في أسفاره تختلف، فأقام عام الفتح بمكة تسعة عشر يوماً، وأقام بتبوك عشرين يوماً، وقدم مكة عام حجة الوداع في الرابع ذي الحجة، وخرج منها صباح الرابع عشر، فتلك عشرة أيام كما قال أنس بن مالك حين سئل كم أقام‏؟‏ قال أنس – رضي الله عنه – خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة، قلنا‏:‏ أقمتم بمكة شيئاً‏؟‏ قال‏:‏ أقمنا بها عشراً‏)‏ ولم يحدد لأمته حداً ينقطع به السفر مع علمه بأن الناس يقدمون مكة للحج قبل اليوم الرابع‏.‏ وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه وجماعة من أهل العلم، وبناء عليه يكون لكم أحكام السفر من القصر والجمع ومسح الخفين، ثلاثة أيام‏.‏

وأما التطوع بالصلاة فتطوعوا بما شئتم كالمقيمين إلا سنة الظهر، والمغرب، والعشاء فالأفضل أن لا تصلوها بنية الراتبة ولكم أن تصلوا تطوعاً لو حضرتم إلى المصلى قبل الإقامة‏.‏ وإذا رأى إمامكم أن لا يجمع ولا يقصر فلا تختلفوا عليه؛ لأن الأمر واسع ولله الحمد‏.‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

حرر في 9 / 5 / 1411هـ‏.‏

1107 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏ نحن من العاملين بالخليج العربي مؤقتاً نرجو أن تجيبوا على أسلتنا في موضوع الصلاة مع تبيان ما ترجحون من أقوال العلماء‏:‏

1 - هل الأفضل في حقنا القصر أو الإتمام‏؟‏

2 - كيفية القصر والحال أن الصلاة جماعة‏؟‏

3 - هل يجوز لمثلنا إذا فاتته جماعة الظهر مثلاً أن تؤدي الصلاة مع العصر قصراً أو جمعاً‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته‏.‏

مسألتكم هذه ليس فيها سنة صريحة تبين حكمها، وإنما فيها نصوص عامة وقضايا اختلف العلماء في القول بها‏.‏

فذهب أصحاب المذاهب المتبوعة إلى أن من عزم على الإقامة مدة معينة انقطع حكم سفره، ولزمه إتمام الصلاة، والصوم في رمضان وجميع أحكام الإقامة التي لا يشترط لها الاستيطان، ثم اختلف هؤلاء في المدة التي تقطع أحكام السفر‏:‏

فذهب بعضهم إلى أنها أربعة أيام، وذهب آخرون منهم إلى أنها فوق أربعة أيام، وذهب آخرون منهم إلى أنها ما بلغ خمسة عشر يوماً فأكثر، وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنها ما بلغ تسعة عشر يوماً فأكثر، وفيها أقوال أحرى تبلغ أكثر من عشرة أقوال ذكرها النووي في شرح المهذب، وإنما كثرت فيها الأقوال لعدم وجود دليل فاصل صريح كما أسلفنا، ولهذا كان القول الراجح ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيميه أن أحكام السفر لا تنقطع إلا بإنهاء السفر، والسفر هو مفارقة محل الإقامة، فما دام الرجل مفارقاً لمحل إقامته فهو مسافر حتى يرجع، ولا يقطع سفره أن يقيم في المحل الذي سافر إليه مدة معينة لعمل أو حاجة، ويدل على ذلك أن اسم السفر في حقه باق، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقام في عدة أسفار له إقامات مختلفة يقصر الصلاة فيها، فأقام بمكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة، وأقام في حجة الوداع عشرة أيام مكة في صحيح البخاري عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه سئل عن إقامتهم مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجته‏؟‏ فقال ‏(‏أقمنا بها عشراً‏)‏ يعني أربعة أيام قبل الخروج إلى منى، وستة بعد ذلك، فإنه قدم يوم الأحد صبيحة رابعة من ذي الحجة إلى مكة، وخرج منها راجعاً إلى المدينة يوم الأربعاء صبيحة الرابعة عشرة، وكان -صلى الله عليه وسلم- في هذه المدة يقصر الصلاة بلا ريب كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث ابن عمر وأنس وغيرهما، ومن المعلوم أن وصوله صبيحة الرابعة وقصر الصلاة كان اتفاقاً لا قصداً، وأنه لو كان قدومه صبيحة الثالثة لم يتغير الحكم، إذ لو كان الحكم يتغير بذلك لبينه النبي -صلى الله عليه وسلم- لدعاء الحاجة إلى بيانه، إذ المعلوم أن من المعلوم أن من الحجاج من يقدم مكة قبل ذلك، ولا يمكن أن يسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيان الحكم فيهم لو كان الحكم فيهم مخالفاً لحكم من قدم في اليوم الرابع فما بعده، ثم إن كون النبي يقيم بمكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وفي تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة، وأقام بمكة في حجه عشرة أيام يقصر يدل على أنه لا فرق بين طول مدة الإقامة وقصرها‏.‏ وأما قول من قال‏:‏ إن إقامته عام الفتح، وفي تبوك لا يدري متى تنتهي إقامته لم ينو مدة معينة تقطع حكم السفر‏.‏

فيقال‏:‏ من أين لك أن لم ينو ذلك‏؟‏ والمدة التي تقطع حكم السفر عندك هي أربعة أيام مثلاً‏؟‏ ثم لو كان الحكم يختلف فيما إذا نوى الإقامة التي تقطع حكم السفر على قول من يرى ذلك، وفيما إذا نوى إقامة لا يدري متى تنتهي لبينه النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأنه يعلم أن أمته ستغتدي به وتأخذ بمطلق فعله‏.‏ وقد وردت آثار عن الصحابة والتابعين تدل على أن حكم السفر لا ينقطع بنية إقامة مقيدة وإن طالت، فروى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن أبي حمزة نصر بن عمران قال‏:‏ قلت لابن عباس ‏(‏إنا نطيل المقام بالغزو بخرا سان فكيف ترى‏؟‏ فقال‏:‏ صل ركعتين وإن أقمت عشر سنين‏)‏، وروى الإمام أحمد في مسنده عن ثمامة بن شراحيل قال‏:‏ خرجت إلى ابن عمر فقلت ‏(‏ما صلاة المسافر‏؟‏ قال‏:‏ ركعتين ركعتين، إلا صلاة المغرب ثلاثاً، قلت‏:‏ أرأيت إن كنا بذي المجاز‏؟‏ قال‏:‏ وما ذو المجاز‏؟‏ قلت‏:‏ مكان نجتمع فيه، ونبيع فيه، نمكث عشرين ليلة، أو خمسة عشر ليلة‏؟‏ قال‏:‏ يا أيها الرجل، كنت بأذربيجان، لا أدري قال‏:‏ أربعة أشهر أو شهرين، فرأيتهم يصلونها ركعتين، ركعتين‏)‏‏.‏ وروى عبد الرزاق عن محمد بن الحارث قال‏:‏ قدمنا المدينة فأرسلت إلى ابن المسيب أنا ميقيمون أياماً في المدينة أفنقصر‏؟‏ قال‏:‏ نعم، ولم يستفصل، وعن علقمة أنه أقام بخوار زم سنتين فصلى ركعتين‏.‏ وروى نحو هذا عن أنس بن مالك، وعبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنهما، وعن مسروق والشعبي رحمهما الله‏.‏

وقد اختار هذا القول أيضاً من المتأخرين الشيخ محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار، وشيخنا عبد الرحمن السعدي‏.‏

قال شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى ص 138 مج 24 من مجموع ابن قاسم ‏(‏والتمييز بين المقيم والمسافر بنية أيام معدودة يقيمها ليس أمراً معلوماً، لا بشرع، ولا لغة، ولا عرف‏)‏، وفي ص 184 من المجلد المذكور ‏(‏وقد بين في غير هذا الموضع أنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلا مقيم ومسافر والمقيم هو المستوطن ومن سوى هؤلاء فهو مسافر يقصر الصلاة‏)‏‏.‏ أ هـ‏.‏ وقال الشيخ محمد رشيد رضا في مجموع فتاويه ص 1180 ‏(‏المسافر الذي يمكث في بلد أربعة أيام أو أكثر وهو ينوي أن يسافر بعد ذلك لا يعد مقيما منتفياً عنه وصف السفر لا لغة ولا عرفاً، وإنما يعد مقيماً من نوى قطع السفر، واتخاذ مسكن له في ذلك البلد‏)‏ إلى أن قال ‏(‏فالمكث المؤقت لا يسمى إقامة إلا بقيد التوقيت‏)‏‏.‏ أ هـ‏.‏

وقال الشيخ عبد الرحمن السعد في كتابه المختارات الجلية ص 30 ‏(‏والصحيح أيضاً أن المسافر إذا أقام في موضع لا ينوي فيه قطع السفر فإنه على سفر وإن كان ينوي إقامة أكثر من أربعة أيام، لكونه داخلاً في عموم المسافرين؛ ولأن إقامة أربعة أيام، أو أقل أو أكثر حكمها واحد فلم يرد المنع من الترخص في شيء منها بل ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- وعن أصحابه ما يدل على الجواز‏)‏‏.‏ أ هـ‏.‏

وعلى هذا فإن إقامتكم للتدريس في الخليج لا تنقطع بها أحكام السفر من القصر، والجمع، ومسح الخفين ثلاثة أيام ونحوها لكن لا يسقط عنكم حضور الجماعة في المساجد لعموم الأدلة الموجبة لحضور الجماعة حضرةً و سفراً، في حال الأمن والخوف وإذا صليتم وراء إمام يتم وجب عليكم الإتمام تبعاً له لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به‏)‏‏.‏ وقوله عليه الصلاة والسلام ‏(‏إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا‏)‏‏.‏

متفق عليه، وهذا عام في جميع المؤتمين بالإمام، وفي مسند الإمام أحمد عن موسى بن سلمة قال‏:‏ كنا مع ابن عباس بمكة فقلت ‏(‏إنا إذا كنا معكم صلينا أربعاً، وإذا رجعنا صلينا ركعتين‏؟‏ فقال‏:‏ تلك سنة أبي القاسم -صلى الله عليه وسلم-‏)‏‏.‏ قال في التلخيص وأصله في مسلم والنسائي بلفظ ‏(‏فقلت لابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام‏؟‏ قال‏:‏ ركعتين سنة أبي القاسم -صلى الله عليه وسلم-‏)‏‏.‏ فقوله ‏(‏إذا لم أصل مع الإمام‏)‏ دليل على أنه كان من المعروف عندهم أنه أصلي مع الإمام أتم‏.‏

فإذا فاتتكم الصلاة مع الجماعة فلكم القصر، وأما الجمع فلا ينبغي الجمع لكم إلا عند الحاجة إيه لأن الجمع يكون عند الحاجة في حق المسافر وغيره، وأما إذا لم يكن حاجة فإنه وإن جاز للمسافر فلا ينبغي له إلا عند الحاجة مثل أن يكون حاجة فإنه وإن جاز للمسافر فلا ينبغي له إلا عند الحاجة مثل أن يكون قد جد به السير، أو يكون محتاجاً لنوم، أو حط رحل نحوه، والله الموفق‏.‏ قال ذلك كاتبه محمد الصالح العثيمين في 16 / 10 / 1399 هـ‏.‏

وبعد أن كتبت هذا الجواب رأيت في مجلة الجامعة الإسلامية في العدد الرابع من السنة الخامسة الصادر في ربيع الثاني سنة 1393 هـ ص 125 في ركن الفتاوى للشيخ عبد العزيز بن باز قال‏:‏ أما إذا نوى إقامة معينة تزيد على أربعة أيام وجب عليه الإتمام عند الأكثر، وقال بعض أهل العلم‏:‏ كله القصر ما دام ينو الاستيطان في ذلك الموضع وإنما أقام لعارض متى زال سافر وهو قول قوي تدل عليه أحاديث كثيرة‏.‏ أ هـ‏.‏ المراد منه‏.‏

فصل

بسم الله الرحمن الرحيم قال فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين - ‏:‏

بيان السفر الذي تقصر فيه الصلاة في ثلاثة فصول‏:‏

الفصل الأول‏:‏ السفر الذي تقصر فيه‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ مدته‏.‏

الفصل الثالث‏:‏ متى ينقطع‏؟‏

أما الفصل الأول‏:‏

فقال في فتح الباري ص 561 ج2 ‏(‏قال النووي‏:‏ ذهب الجمهور إلى أنه يجوز القصر في كل سفر مباح، وذهب بعض السلف إلى أنه يشترط في القصر الخوف في السفر وبعضهم كونه سفر حج أو عمرة أو جهاد، وبعضهم كونه طاعة أو معصية‏)‏‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

قلت‏:‏ واختاره تقي الدين ابن تيميه، ونقله عن ابن حزم ورجحه بأدلة قوية مع الإجابة عن حجج الآخرين ص 60 من رسالته في أحكام السفر والإقامة‏.‏

وأما الفصل الثاني‏:‏

فقال في شرح المهذب ص 191 ج 4 – ما ملخصه - ‏:‏ مذهبنا أنه مرحلتان وبه قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة‏:‏ ثلاثة أيام، وقال الأوزاعي وآخرون يوم تام، وقال داود في طويل السفر وقصيره‏.‏ قلت‏:‏ واختاره الشيخ تقي الدين وجعل مناط الحكم يسمى سفراً وعرفاً، وقال في رسالة أحكام السفر والإقامة ص 80‏:‏ فالتحديد بالمسافة لا أصل له في شرع، ولا لغة، ولا عرف ولا عقل، ولا يعرف الناس مساحة الأرض فلا يجعل ما يحتاج إليه عموم المسلمين معلقاً بشيء لا يعرفونه، ولم يسمح أحد الأرض على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا قدر النبي -صلى الله عليه وسلم- الأرض لا بأميال، ولا فراسخ، والرجل قد يخرج من القرية إلى الصحراء لحطب يأتي به فيغيب اليومين والثلاثة فيكون مسافراً وإن كانت المسافة أقل من ميل بخلاف من يذهب ويرجع من يومه فإنه لا يكون في ذلك مسافراً، فإن الأول يأخذ الزاد والمزاد، بخلاف الثاني فالمسافة القريبة في المدة الطويلة تكون سفراً، والمسافة البعيدة في المدة القليلة لا تكون سفراً‏.‏ أ هـ‏.‏ وفي المغني ص 255 – 258 ج2 – حين ذكر اختلاف العلماء في ذلك – قال‏:‏ ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة، ولا حجة فيها مع الاختلاف، - ثم قال - ‏:‏ وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه لوجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه مخالف لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- التي ذكرناها ولظاهر القرآن‏.‏

الثاني‏:‏ أن التقدير بابه التوقيف فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد لا سيما وليس له أصل يرد إليه، ولا نظير يقاس عليه، والحجة مع من أباح القصر لك مسافر أن ينعقد الإجماع على خلافه‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

أما الفصل الثالث‏:‏ فقال في شرح المهذب ص 219 - 220 ج4‏:‏ مذهبنا أن نوى إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج القطع، وإن نوى دون ذلك لم ينقطع، وهو مذهب مالك، وقال أبو حنيفة‏:‏ إن نوى خمسة عشر يوماً مع يوم الدخول، وقال الأوزاعي‏:‏ إن نوى اثني عشر يوماً، وقال أحمد‏:‏ إن نوى إقامة تزيد على أربعة أيام، وعنه تزيد على إحدى وعشرين صلاة، وعن ابن المسيب‏:‏ إن أقام ثلاثاً، وقال الحسن‏:‏ بن راهويه‏:‏ يقصر أبداً حتى يدخل وطنه أو بلداً له فيه أهل أو مال‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏ فهذه اثنا عشر قولاً، قال شيخ الإسلام ابن تيميه في رسالته الآنفة الذكر ص 82‏:‏ فمن جعل للمقام حداً من الأيام فإنه قال قولاً لا دليل عليه من جهة الشرع، وهي تقديرات متقابلة تتضمن تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام‏:‏ كمسافر، ومقيم مستوطن، ومقيم غير مستوطن، وتقسيم المقيم إلى مستوطن وغيره لا دليل عليه من جهة الشرع‏.‏ قال‏:‏ والتمييز بين المقيم والمسافر بنية أيام معدودة يقيمها ليس أمراً معلوماً لا بشرع، ولا لغة، ولا عرف‏.‏ قال ص 84‏:‏ والقول بأن من قدم المصر فقد خرج عن حد السفر ممنوع مخالف للنص والإجماع والعرف‏.‏

رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العلمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد‏:‏

فقد نشر في ‏(‏المسلمون‏)‏ يوم السبت 28 شعبان 1405 هـ جواب حول ترخص المبتعث برخص السفر من القصر والفطر، ومسح الخفين ثلاثة أيام، وكان الجواب مختصراً، وقد طلب مني بعض الأخوان أن أبسط القول في ذلك بعض البسط، فأقول وبالله التوفيق منه الهداية والصواب‏:‏

المغتربون عن بلادهم لهم ثلاث حالات‏:‏

الحال الأولى‏:‏ أن ينووا الإقامة المطلقة بالبلاد التي اغتربوا إليها كالعمال المقيمين للعمل، والتجار المقيمين للتجارة، ونحوهم ممن يقيمون إقامة مطلقة فهؤلاء في حكم المستوطنين في وجوب الصوم عليهم في رمضان، وإتمام الصلاة، والاقتصار على يوم وليلة في مسح الخفين، لأن إقامتهم مطلقة غير مقيدة بزمن ولا غرض، فهم عازمون على إقامة في البلاد التي اغتربوا إليها لا يخرجون منها إلا أن يخرجوا‏.‏

الحال الثانية‏:‏ أن ينووا الإقامة المقيدة بغرض معين لا يدرون متى ينتهي، ومتى رجعوا إلى بلادهم كالتجار الذين يقدمون لبيع السلع، أو شرائها ثم يرجعون و كالقادمين لمراجعة دوائر

حكومية أو غيرها لا يدرون متى ينتهي غرضهم حتى يرجعوا إلى بلادهم، فهؤلاء في حكم المسافرين فلهم الفطر، وقصر الصلاة الرباعية ومسح الخفين ثلاثة أيام، ولو بقوا سنوات، هذا قول جمهور العلماء، بل حكاه ابن المنذر إجماعاً‏.‏ لكن لو ظن هؤلاء أن الغرض لا ينتهي إلا بعد المدة التي ينقطع بها حكم السفر فهل لهم الفطر والقصر على قولين‏.‏

الحال الثالثة‏:‏ أن ينووا الإقامة المقيدة بغرض معين يدرون متى ينتهون، ومتى انتهى رجعوا إلى بلادهم بمجرد انتهائه فقد اختلف أهل العلم –رحمهم الله - في حكم هؤلاء، فالمشهور عن مذهب الإمام احمد أنهم إن نووا إقامة أكثر من أربعة أيام أتموا وإن نووا دونها قصروا‏.‏ وقيل‏:‏ إن نووا إقامة أكثر من أربعة أيام أتموا وإن نووا دونها قصروا، قال في المغني ‏(‏صفحة 288 المجلد الثاني‏)‏ وهذا قول مالك، والشافعي، وأبي ثور قال‏:‏ وروي هذا القول عن عثمان –رضي الله عنه - وقال الثوري وأصحاب الرأي‏:‏ إن أقام خمسة عشر يوما مع اليوم الذي يخرج فيه أتم، وإن نوى دون ذلك قصر‏.‏ انتهى‏.‏

وهناك أقوال أخرى ساقها النووي في شرح المهذب صفحة 220 المجلد الرابع تبلغ عشرة أقوال، وهي أقوال اجتهادية متقابلة ليس فيها نص يفصل بينها، ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم إلى أن هؤلاء في حكم المسافرين لهم الفطر، وقصر الرباعية، والمسح على الخفين ثلاثة أيام‏.‏ انظر مجموع الفتاوى جمع ابن قاسم صفحة 184، 138، 137 مجلد 42 والاختيارات صفحة 73 وانظر زاد المعاد لابن القيم صفحة 29 مجلد 3 أثناء كلامه على فقه غزوة تبوك‏.‏ وقال في الفروع لابن مفلح أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيميه صفحة 64 مجلد 2 بعد أن ذكر الخلاف فيما إذا نوى مدة فوق أربعة أيام قال‏:‏ ‏(‏واختار شيخنا وغيره القصر والفطر وأنه مسافر ما لم يجمع على إقامة ويستوطن كإقامته لقضاء حاجة بلا نية إقامة‏)‏ انتهى‏.‏ واختار هذا القول الشيخ عبد لله بن شيخ الإسلام محمد بن عبد لوهاب‏.‏ انظر صفحة 375، 372 مجلد 4 من الدرر السنية، واختاره أيضا الشيخ محمد رشيد رضا صفحة 1180 المجلد الثالث من فتاوى المنار، وكذلك اختاره شيخنا عبد لرحمن بن ناصر السعدي صفحة 47 من المختارات الجلية، وهذا القول هو الصواب لمن تأمل نصوص الكتاب والسنة، فعلى هذا يفطرون ويقضون كأهل الحال الثانية، لكن الصوم أفضل إن لم يشق، ولا ينبغي أن يؤخروا القضاء إلى رمضان ثان؛ لأن ذلك يوجب تراكم الشهور عليهم فيثقل عليهم القضاء أو يعجزوا عنه‏.‏

والفرق بين هؤلاء وأهل الحال الأولى أن هؤلاء أقاموا لغرض معين ينتظرون انتهاءه ولم ينووا الإقامة المطلقة، بل لو طلب منهم أن يقيموا انتهاء غرضهم لأبوا ذلك، ولو انتهى غرضهم قبل المدة التي نووها ما بقوا في تلك البلاد‏.‏ أما أهل الحال الأولى فعلى العكس من هؤلاء فهم عازمون على الإقامة لا ينتظرون شيئا معينا ينهون إقامتهم بانتهائه، فلا يكادون يخرجون من مغتربهم هذا إلا بقهر النظام، فالفرق ظاهر للمتأمل، والعلم عند الله تعالى فمن تبين له رجحان هذا القول فعمل به فقد أصاب، ومن لم يتبين له فأخذ بقول الجمهور فقد أصاب؛ لأن هذه المسألة من مسائل الاجتهاد التي من اجتهد فيها فأصاب فله أجران ومن اجتهد فيها فأخطأ فله أجر واحد، والخطأ مغفور، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية286‏]‏‏.‏ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا حكم الحاكم فاجتهد، ثم أصاب، فله أجران، وإذا حم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر‏)‏‏.‏ أخرجه البخاري ‏(1)‏‏.‏

نسأل الله تعالى أن يوفقنا للصواب عقيدة وقولا وفعلا إنه جواد كريم والحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‏.‏

10 / 9 / 1405هـ‏.‏

 

رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وحجة الله تعالى على خلقه المبعوث إليهم إلى يوم الدين‏.‏

وبعد‏:‏ فقد سألني بعض المسافرين للدارسة في الخارج هل تنقطع أحكام السفر في حقهم أو تبقى حتى يرجعوا إلى بلادهم، فأجبت‏:‏ بأن قول جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الأربعة أنهم في حكم المقيم لا يترخصون برخص السفر، وأن بعض العلماء يقول إنهم في حكم المسافرين فيترخصون برخص السفر، وأن هذا اختيار شيخ الإسلام، ابن تيميه، وتلميذه ابن القيم، وشيخنا عبد لرحمن بن سعدي، والشيخ عبد لله بن الشيخ محمد بن عبد لوهاب، والشيخ محمد رشيد رضا، وقال عنه شيخنا عبد العزيز بن باز في مجلة الجامعة الإسلامية في العدد الرابع من السنة الخامسة الصادر في ربيع الثاني سنة 1393هـ ص 125 في ركن الفتاوى‏:‏ ‏(‏إنه قول قوي تدل عليه أحاديث كثيرة‏)‏‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏ المراد منه، وأن ذلك ظاهر النصوص وهو ما نراه‏.‏ وقد يستغرب كثير من الناس هذا القول، ويظنونه قولا بعيدا عن الصواب، وهذا من طبيعة الإنسان أن يستغرب شيئا لم يتبين له وجهه، ولكن إذا كشف له عن نقابة، ولاح له وجه صوابه، لان له قلبه وانشرح به صدره، واطمأنت إليه نفسه، وصار هذا القول الغريب عنده من آلف الأقوال‏.‏ لذلك رأيت أن أكتب ما تيسر لي في هذا الموضوع سائلا الله تعالى أن ينفع به فأقول‏:‏

المغتربون عن بلادهم لهم ثلاث حالات‏:‏

الحال الأولى‏:‏ أن ينوا الإقامة المطلقة في بلاد الغربة كالعمال المقيمين للعمل، والتجار المقيمين للتجارة، وسفراء الدول ونحوهم ممن عزموا على الإقامة إلا لسبب يقتضي نزوحهم إلى أوطانهم فهؤلاء في حكم المستوطنين في وجوب الصوم عليهم وإتمام الصلاة الرباعية والاقتصار على يوم وليلة في المسح على الخفين‏.‏

الحال الثانية‏:‏ أن ينووا إقامة لغرض معين غير مقيدة بزمن فمتى انتهى غرضهم عادوا إلى أوطانهم، كالتجار القادمين لبيع السلع أو شرائها أو القادمين لمهمات تتعلق بأعمالهم الرسمية، أو لمراجعة دوائر حكومية ونحوهم ممن عزموا على العودة إلى أوطانهم بمجرد انتهاء غرضهم فهؤلاء في حكم المسافرين وإن طالت مدة انتظارهم فلهم الترخص برخص السفر من الفطر في رمضان، وقصر الصلاة الرباعية، ومسح الخفين ثلاثة أيام، وغير ذلك ولو بقوا سنوات عديدة هذا قول جمهور العلماء بل حكاه ابن المنذر إجماعاً‏.‏

لكن لو ظن هؤلاء أن غرضهم لا ينتهي إلا بعد المدة التي ينقطع بها حكم السفر كما لو ظنوا أنه لا ينتهي إلا بعد أربعة أيام مثلا فهل لهم الترخص على قولين ذكرهما في الإنصاف 330 / 2 وقال على القول بالجواز جزم به في الكافي، ومختصر ابن تميم، قال في الحواشي‏:‏ وهو الذي ذره ابن تميم وغيره‏.‏ أ هـ‏.‏

الحال الثالثة‏:‏ أن ينووا إقامة لغرض معين مقيدة بزمن ومتى انتهى غرضهم عادوا إلى أوطانهم، فقد اختلف أهل العلم –رحمهم الله - في حكم هؤلاء‏:‏

فالمشهور من مذهب الحنابلة أنهم إذا نووا إقامة أكثر من أربعة أيام انقطع حكم السفر في حقهم، فلا يترخصون برخصة من الفطر، والقصر، والمسح ثلاثة أيام، وقيل‏:‏

إن نووا إقامة أربعة أيام أتموا، وإن نووا دونها قصروا، قال في المغني 288 / 2‏:‏ وهذا قول مالك، والشافعي، وأبي ثور قال‏:‏ وروي هذا القول عن عثمان –رضي الله عنه - وقال الثوري، وأصحاب الرأي‏:‏ إن أقام خمسة عشر يوماً مع اليوم الذي يخرج فيه أتم وإن نوى دون ذلك قصر‏.‏ أ هـ‏.‏ وهناك أقوال أخرى ساقها النووي في شرح المهذب‏.‏ 219 / 220 تبلغ عشرة أقوال ‏(2)‏ وكلها أقوال متقابلة اجتهادية ليس فيها نص يفصل بينها، قال شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى جمع ابن قاسم 137 / 24‏:‏ ‏(‏فمن جعل للمقام حدًّا من الأيام إما ثلاثة، وإما أربعة، وإما عشرة، وإما اثني عشر وإما خمسة عشر فإنه قال قولا لا دليل عليه من جهة الشرع، وهي تقديرات متقابلة، فقد تضمنت هذه الأقوال تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام‏:‏ إلى مسافر، وإلى مقيم مستوطن وهو الذي ينوي المقام في المكان، وهذا هو الذي تنعقد به الجمعة وتجب عليه، وهذا يجب عليه إتمام الصلاة بلا نزاع فإنه المقيم المقابل للمسافر، والثالث مقيم غير مستوطن أوجبوا عليه إتمام الصلاة، والصيام، وأوجبوا عليه الجمعة، وقالوا‏:‏ لا تنعقد به الجمعة وقالوا إنما تنعقد الجمعة بمستوطن، وهذا التقسيم وهو تقسيم المقيم إلى مستوطن وغير مستوطن تقسيم لا دليل عليه من جهة الشرع‏.‏ أ هـ كلامه‏.‏ وحيث إن هذه الأقوال ليس لها دليل يفصل بينها فقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيميه، وتلميذه ابن القيم، والشيخ عبد الله بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، والشيخ محمد رشيد رضا، وشيخنا عبد الرحمن بن سعدي ذهب هؤلاء إلى أن حكم السفر لا ينقطع في هذه الحال فيجوز لأصحابها أن يترخصوا برخص السفر‏.‏

قال شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى جمع ابن قاسم 184 / 24‏:‏ ‏(‏وقد بين في غير هذا الموضع أنه ليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله إلا مقيم، ومسافر، والمقيم هو المستوطن، ومن سوى هؤلاء فهو مسافر يقصر الصلاة‏)‏‏.‏ وفي الاختيارات 72 - 73‏:‏ ‏(‏وتقصر الصلاة في كل ما يسمى سفرا سواء قل أو كثر، ولا يتقدر بمدة‏)‏ إلى أن قال‏:‏ ‏(‏وسواء نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أو لا، وروي هذا عن جماعة من الصحابة‏)‏‏.‏ وفي الفروع لابن مفلح 64 / 2 قال أن ذكر الخلاف فيما إذا نوى المسافر الإقامة مدة معينة قال‏:‏ ‏(‏واختار شيخنا وغيره القصر والفطر، وأنه مسافر ما لم يجمع على إقامة ويستوطن كإقامته لقضاء حاجة بلا نية إقامة‏)‏‏.‏ أ هـ‏.‏ وابن مفلح أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيميه وهو من أعلم الناس بأقواله وفتاويه، حتى قيل إن ابن القيم يرجع إليه في ذلك أحيانا‏.‏ وفي الإنصاف عن الشيخ ما في الفروع‏.‏ وقال ابن القيم في زاد المعاد 29 / 3 أثناء كلامه على فوائد غزوة تبوك ‏(‏ومنها‏:‏ أنه -صلى الله عليه وسلم- أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة، ولم يقل للأمة لا يقصر الرجل الصلاة إذا أقام أكثر من ذلك، ولكن اتفقت إقامته هذه المدة، وهذه الإقامة في حال السفر لا تخرج عن حكم السفر، سواء طالت أو قصرت إذا كان غير مستوطن ولا عازم على إقامة بذلك الموضع، وقد اختلف السلف والخلف في ذلك اختلافاً كثيراً‏)‏، وذكر تمام الكلام‏.‏

وقال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في جواب في الدرر السنية 372 / ‏(‏وأنت رحمك الله إذا تأملت هديه -صلى الله عليه وسلم- في أسفاره، وأنه يقيم في بعضها المدة الطويلة والقصيرة بحسب الحاجة والمصلحة، ولم ينقل أحد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ إذا أقام أحدكم أربعة أيام في مكان أو بلد أو أكثر أو أقل من ذلك فليتم صلاته، وليصم، ولا يترخص برخص السفر التي جاءت بها الشريعة السمحة، مع أن الله تعالى فرض عليه البلاغ المبين، فبلغ الرسالة، وأذى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وتبين لك أن الصواب في المسألة ما اختاره غير واحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان أن المسافر يجوز له القصر والفطر ما لم يجمع على إقامة استوطن ‏(‏كذا في الطبعة القديمة وفي الجديدة ‏(‏أو يستوطن‏)‏ وكأن فيها تعديلاً‏)‏ فحينئذ يزول عنه الحكم السفر، ويكون حكمه حكم المقيم، وهذا هو الذي دل عليه هديه -صلى الله عليه وسلم- كما قال بن قيم – رحمه الله – في الكلام على فوائد غزوة تبوك‏)‏ ثم نقل كلام ابن القيم إلى أن قال 375 ‏(‏فإذا تقرر أن إقامة المسافر مدة غير معلومة، أو معلومة لكنه لم ينو الاستقرار والاستيطان أن ذلك لا يقطع حكم السفر بقي الكلام في استحباب الصيام في السفر، أو جوازه‏)‏ وذكر تمام الكلام، وبهذا الكلام يظهر أن صواب العبارة الأولى ‏(‏ما لم يجمع على إقامة ويستوطن‏)‏ كعبارة صاحب الفروع فيما نقله شيخه‏.‏ وقال الشيخ محمد رضا في فتاويه جمع صلاح الدين المنجد 1180 / 3 ‏(‏وإنما يسألنا عن الراجح المختار عندنا فيها فنحن نصرح له به تصريحاً مع بيان أننا لا نجيز لأحد أن يقلدنا فيه تقليداً وهو أن المسافر الذي يمكث في بلد أربعة أيام أو أكثر وهو ينوي أن يسافر بعد ذلك منها لا يعد مقيماً منتفياً عنه وصف السفر واتخاذ سكن له في ذلك البلد، وإن لم يتم له فيه إلا يوم أو بعض يوم‏)‏ إلى أن قال ‏(‏فالمكث المؤقت لا يسمى إقامة إلا بقيد التوقيت‏)‏‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال شيخنا عبد الرحمن السعدي في المختارات الجلية 47 ‏(‏والصحيح أيضاً أن المسافر إذا أقام بموضع لا ينوي فيه قطع السفر فإنه مسافر وعلى سفر، وإن كان ينوي إقامة أكثر من أربعة أيام‏)‏‏.‏ أ هـ‏.‏ وقال شيخنا عبد العزيز بن باز في جواب له صدر في العدد الرابع من مجلة الجامعة الإسلامية من السنة الخامسة في ربيع الثاني سنة 1393هـ عن القول بأنه يقصر ما لم ينو الاستيطان وإنما أقام لعارض متى زال سافر ‏(‏هو قول قوي تدل عليه أحاديث كثيرة‏)‏، وقال عن الإتمام ‏(‏إنه قول الأكثر وأخذ بالأحوط‏)‏‏.‏ وهذا القول الذي ذهب إليه هؤلاء العلماء الأجلاء هو القول الراجح عندي؛ لأنه مقتضى دلالة الكتاب، والسنة، والآثار، والنظر والقياس‏:‏

أما الكتاب‏:‏ فقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ من الآية101‏]‏ فأطلق الله تعالى الضرب في الأرض وعمم في وقته، والضرب في الأرض هو السفر فيها ويكون الجهاد والتجارة وغيرها، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ من الآية94‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏المزمل‏:‏ من الآية20‏]‏ فإذا كان الله تعالى قد أباح القصر للضاربين أن منهم من يبقى أياماً وشهوراً للقتال والحصار، وبيع السلع وشرائها كما هو الواقع، ولم يستثن الله – عز وجل – ضارباً من ضارب ولا حالا من حال‏.‏ إذا كان الأمر كذلك علم أن الحكم لا يختلف من ضارب إلى ضارب، ولا في حال دون حال، ولو كان ثمة ضارب، أو حال تخرج من هذا الحكم لبينه الله تعالى في كتابه، أو لسان رسوله، لأن الله تعالى أوجب بفضله على نفسه البيان فقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى‏}‏ ‏[‏الليل‏:‏ 12‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَه ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ‏}‏ ‏[‏القيامة، الآيتان‏:‏ 18، 19‏]‏ وبيانه شامل لفظه وبيان معناه وحكمه‏.‏ ولو كانت ثمة ضارب، أو حال تختلف عن هذا الحكم لكان حكمها المخالف من شرع الله تعالى، وإذا كان من شرعه فلا بد أن يحفظ وينقل إلينا كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 9‏]‏ وهو شامل لحفظ لفظه وما يتضمنه من الأحكام فلما لم يحفظ ذلك حكم المخالف ولم ينقل علم أنه لا وجود له‏.‏ وهذه القاعدة تنفعك في هذه المسألة وغيرها وهي‏:‏ كأن كل نص جاء مطلقاً، أو عاماً فإنه يجب إبقاؤه على إطلاقه وعمومه حتى يقوم دليل على تقييده وتخصيصه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً‏}‏ ‏(‏النحل‏:‏ من الآية89‏)‏ فلو كان مقيد، أو مخصص لما ورد مطلقاً أو عاماً لبينه الله تعالى‏.‏

وأما السنة ففيها أدلة‏:‏

الأول‏:‏ ما ثبت في صحيح البخاري عن جابر، وابن عباس – رضي الله عنهم – قالا ‏(‏قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه صبح رابعة مضت من ذي الحجة مهلين(3)بالحج‏)‏، الحديث‏.‏

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجته يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة، قال أنس بن مالك – رضي الله عنه – ‏(‏خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين، ركعتين، حتى رجعنا إلى المدينة‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏ وفي رواية لمسلم ‏(‏خرجنا من المدينة إلى الحج‏)‏‏.‏

ووجه الدلالة منه‏:‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقام إقامة لغرض الحج مقيدة بزمن معين، حتى رجع إلى المدينة، فدل ذلك على أن الإقامة لغرض معين متى انتهى رجع إلى وطنه لا ينقطع بها الحكم السفر وإن كانت المدة محددة‏.‏

فإن قلت‏:‏ إنما أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل الخروج إلى منى أربعة أيام وهذه المدة لا ينقطع بها حكم السفر‏.‏

الجواب أن يقال‏:‏ من أين لك العلم بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لو قدم في اليوم الثالث من ذي الحجة فأقام خمسة أيام لم يقصر‏؟‏ ‏!‏ بل الظاهر الغالب على الظن أنه لو قدر حينئذ لقصر؛ لأن قدومه لليوم الرابع وقع اتفاقاً لا قصد بلا ريب، وما وقع اتفاقاً لم يكن مقصوداً فلا يتعلق به حكم منع أو إيجاب‏.‏

ويقال ثانياً‏:‏ من المعلوم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعلم أن من الحجاج من يقدم في اليوم الثالث، والثاني، والأول من ذي الحجة، بل قبل ذلك، فالحج أشهر معلومات تبتدئ من دخول شوال، ولم يقل للأمة ‏(‏من قدم قبل اليوم الرابع من ذي الحجة فليتم صلاته‏)‏ ولو كان هذا حكم الله تعالى في خلقه لبينه النبي -صلى الله عليه وسلم- لوجوب البلاغ عليه، ودعاء الحاجة إلى بيانه، والقول بأن هذا حكم الله تعالى مع سكوت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيانه، الموجود مقتضيه قول فيه نظر لا يخفى‏.‏

فإن قلت‏:‏ إذن فما وجه احتجاج المحددين بأربعة أيام بهذا الحديث‏؟‏

فالجواب‏:‏ أن وجه احتجاجهم به قولهم‏:‏ إن مجرد الإقامة ينقطع بها السفر خولف في الأيام الأربعة لورود النص به فبقي ما زاد على ذلك الأصل وهو انقطاع السفر‏.‏

وهذه الدعوى ممنوعة شرعاً وعرفا، وقال شيخ الإسلام الفتاوى جمع ابن قاسم 140 / ‏(‏وهذا الدليل مبني على أنه من قدم المصر فقد خرج عن حد السفر وهو ممنوع، بل هو مخالف للنص، والإجماع، والعرف‏)‏‏.‏ أ هـ‏.‏

أما وجه منعها شرعاً‏:‏ أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة في حجة الوادع عشرة أيام كما ذكره أنس بن مالك – رضي الله عنه – أربعة قبل الخروج إلى منى وستة بعد ذلك، وأقام بها في غزوة الفتح تسعة عشر يوماً وأقام في تبوك عشرين يوماً، وكان يقصر الصلاة مع هذه الإقامات المختلفة‏.‏

وأما وجه منعها عرفاً‏:‏ فإن الناس يقولون في الحاج إنه مسافر للحج، وإن كان قد سافر في أول أشهر الحج، ويقولون للمسافر للدراسة أنه مسافر إلى الدراسة في الخارج ونحو ذلك فيسمونه مسافر وإن كان مقيماً لغرضه الذي يريده مدة معينة، وعلى هذا فالأصل أن المسافر باق سفره حقيقة وحكماً حتى يقطعه باستيطان أو إقامة مطلقة‏.‏

الدليل الثاني من السنة‏:‏ ما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما - ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقام بمكة تسعة عشر يوماً يصلي ركعتين‏)‏ وفيه عن ابن عباس أيضاً قال ‏(‏صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا بلغ الكديد – الماء الذي بين قديد وعسفان – أفطر فلم يزل مفطراً حتى انسلخ الشهر‏)‏‏.‏

وفي هذين الحديثين القصر والفطر مع إقامة تزيد على أربعة أيام‏.‏

الدليل الثالث‏:‏ ما رواه جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة‏)‏‏.‏ أخرجه أبو داود والبيهقي وأعله بتفرد معمر وصله، لكن قال النووي‏:‏ هو حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ومسلم، وتفرد معمر بوصله لا يقدح فيه فإنه ثقة حافظ‏.‏ ا هـ‏.‏‏.‏

ففي هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قصر مع أنه أقام عشرين يوماً‏.‏ فلما ثبت قصر النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الأحاديث مع اختلاف المدد التي أقامها علم أن تحديد المدة التي ينقطع بها حكم السفر بأيام معلومة قول ضعيف، ولو كان الحكم مختلفاً بين مدة وأخرى لبينه النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته لئلا يتأسوا به فيما لا يحل لهم‏.‏

فإن قلت‏:‏ إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قصر في غزوة الفتح، وفي غزوة تبوك فيما زاد أربعة أيام؛ لأنه لم يعزم على إقامة هذه المدة، فهو يقول أخرج اليوم، أخرج غداً، حتى تمادى به الأمر إلى هذه المدة،

فالجواب أن يقال‏:‏ من أين لك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعزم على ذلك‏؟‏ وهل يمكنك أن تشهد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا‏؟‏ مع أن العزم قصد القلب، ولا يطلع عليه إلا بوحي من الله تعالى، أو إخبار من العازم ولم يحصل واحد منهما في هذه المسألة فتكون دعوى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعزم الإقامة هذه المدة قولاً بلا علم‏.‏

ويقال ثانياً‏:‏ بل الظاهر الذي يغلب على الظن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عازماً على الإقامة أكثر من أربعة أيام، قال شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى جمع ابن قاسم 136 / 24 ‏(‏وأقام ‏(‏يعني النبي -صلى الله عليه وسلم-‏)‏ في غزوة الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، و أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة، ومعلوم بالعادة أن ما كان يفعل بمكة وتبوك لم يكن ينقضي في ثلاثة أيام ولا أربعة حتى يقال إنه كان يقول‏:‏ اليوم أسافر، بل فتح مكة، وأهلها وما حولها كفار محاربون له، وهي أعظم مدينة فتحها، وبفتحها ذلت الأعداء، وأسلمت العرب وسرى السرايا إلى النواحي ينتظر قدومهم، ومثل هذه الأمور مما يعلم أنها لا تنقضي في أربعة أيام، فعلم أنه أقام لأمور يعلم أنها لا تنقضي في أربعة وكذلك في تبوك‏)‏‏.‏

وذكر نحو ذلك تلميذ ابن القيم في زاد المعاد 30 / 3 وأن في حمله على أنه لم يجمع الإقامة نظراً لا يخفى‏.‏

فإذا تبين ضعف القول بتحديد المدة التي ينقطع بها حكم السفر بأربعة أيام أو نحوها فإن أي مدة تزيد على ذلك في تحديد مدة الإقامة التي تمنع الترخص برخص السفر تحتاج إلى دليل، فإذا قال قائل‏:‏ إذا نوى إقامة شهر أتم، وإن نوى دون ذلك قصر، قيل‏:‏ ما دليلك على ما قلت‏؟‏ وإذا قال الآخر‏:‏ إذا نوى إقامة سنة أتم، وإن نوى دون ذلك قصر، قيل له أين الدليل لما قلت‏؟‏ وهكذا‏.‏

وحينئذ يكون مناط الحكم هو المعنى والوصف فما دام الإنسان مسافراً مفارقاً لو طنه فأحكام السفر في حقه باقية ما لم يقطعه باستيطان أو إقامة مطلقة، وأنت لو سألت المغتربين من أصحاب هذه الحال هل نويتم الاستيطان، أو الإقامة المطلقة لقالوا‏:‏ لا، وإنما ننتظر انتهاء مهمتنا، فمتى انتهت رجعنا إلى أو طاننا سواء انتهت في الوقت المقرر، أم قبلة، فليس لنا غرض في الإقامة في هذا المكان أو البلد وإنما غرضنا الأول والأخير الحصول على مهمتنا، فهم مشابهون في القصد لأصحاب الحال الثانية، وإن كانوا يختلفون عنهم بتحديد مدة الإقامة التي قد علم بمقتضى الأدلة السابقة إنها ليست مناط الحكم، ولهذا جعل شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله تعالى – الحكم فيهما واحداً كما نقله عنه تلميذه ابن مفلح في كتاب الفروع‏.‏

وبهذا يتبين لك الفرق بين أصحاب هذه الحال والحال الأولى؛ لأن أصحاب هذه الحال لم ينووا إلا لهذا الغرض، أما أصحاب الحال أولى فقد نووا الإقامة المطلقة إلا أن يحصل لهم ما يقتضي الخروج، والفرق بين مدة الإقامة إلا أن يحصل له ما يقتضي الخروج، وبين من يريد الخروج لو لا ما تقتضي الإقامة فرق ظاهر لمن تأمله‏.‏

فإن قلت‏:‏ إن بعض المغتربين من أصحاب هذه الحال يصطحبون زوجاتهم، وربما يتزوجون في أماكن غربتهم، أو يشترون بيوتاً للسكنى‏.‏

فالجواب‏:‏ أن اصطحاب الأهل والزوجات غير مؤثر في الحكم، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد اصطحب زوجاته في حجة الوداع، وكان من هديه‏:‏ إذا أراد سفراً أن يقرع بين زوجاته فأيتهن خرج سهمها خرج بها‏.‏ ومع هذا قصر في حجته وكان يقصر في كل أسفاره‏.‏

وأما التزوج في مكان الغربة فإن كان المتزوج يقصد طلاقها عند مغادرته – وقلنا بصحة هذا العقد – فإنه لم يتأهل التأهل المطلق بل هو تأهل مقيد، وهو لا يؤثر على حال المتزوج‏.‏

وإن كان المتزوج يقصد بقاء النكاح وحمل زوجته معه، فإنه أيضاً لم يقصد اتخاذ هذا المكان مقراً ووطناً له، بل يريد مغادرته بأهله بمجرد انتهاء غرضه‏.‏

وانتبه لقولي ‏(‏يقصد طلاقها‏)‏ وقولي ‏(‏وقلنا بصحة هذا العقد‏)‏ لأن محترز القيد الأول يكون شرط طلاقها في العقد عند انتهاء المدة، أو تزوجها إلى أجل ينتهي بالمدة فإنه في هذه الحال يكون نكاح متعة محرماً فاسداً لا تستحل به الفروج‏.‏

أما محترز القيد فهو أن بعض أهل العلم يرى أن نية الطلاق كشرطه قياساً على نية التحليل، وعلى هذا فلا يصح العقد وعلى القول بصحة العقد فإن هذه النية في العقد حرام على المتزوج لما فيها من خديعة الزوجة وأهلها فإنهم لو علموا بنيته هذه لم يزوجوه في الغالب‏.‏ وأما شراء البيوت فإنما يشترونها لسكناها إلى انتهاء غرضهم لا للإقامة المطلقة فهم بمنزلة المستأجر الطاعنين لا المستوطنين‏.‏

وأما الآثار‏:‏ فروى مسلم في صحيحه عن موسى بن سلمة الهزلي قال‏:‏ سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام‏؟‏ قال ‏(‏ركعتين سنة أبي القاسم -صلى الله عليه وسلم-‏)‏‏.‏ وروى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن أبي جمرة نصر بن عمران قال‏:‏ قلت لا بن عباس‏:‏ إنا نطيل المقام بخراسان فكيف ترى‏؟‏ قال ‏(‏صل ركعتين وإن أقمت عشرين سنين‏)‏‏.‏ وروى الإمام أحمد في مسنده عن ثمامة بن شراحيل قال‏:‏ خرجت إلى ابن عمر فقلت‏:‏ ما صلاة المسافر‏؟‏ قال‏:‏ ركعتين ركعتين إلا صلاة المغرب ثلاثاً‏.‏ قلت‏:‏ أرأيت إن كنا بذي المجاز‏؟‏ قال‏:‏ وما ذو المجاز‏؟‏

قلت‏:‏ مكان نجتمع فيه ونبيع فيه نمكث عشرين ليلة، أو خمس عشرة ليلة، قال‏:‏ يا أيها الرجل كنت بأذربيجان لا أدري قال أربعة أشهر، أو شهرين فرأيتهم يصلونها ركعتين ركعتين، ورأيت نبي الله -صلى الله عليه وسلم- نصب عيني يصليها ركعتين ركعتين، ثم نزع هذه الآية‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 21‏]‏

وروى البيهقي عن نافع عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال ‏(‏ارتج علينا الثلج ونحن بأذربيجان ستة أشهر في غزاة، وكنا نصلي ركعتين‏)‏، قال النووي وهذا سند على شرط الصحيحين‏.‏ ورواه عبد الرزاق بلفظ ‏(‏أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة‏)‏‏.‏

وروى عبد الرزاق عن الحسن قال‏:‏ كنا مع عبد الرحمن بن سمرة ببعض بلاد فارس سنتين فكان لا يجمع ولا نزيد على ركعتين‏.‏

وروى أيضاً من أنس بن مالك – رضي الله عنه - ‏:‏ - ‏(‏أنه أقم بالشام شهرين مع عبد الملك مروان يصلي ركعتين، ركعتين‏)‏، وذكر في المغني، والفتاوى، وزاد المعاد أن أنس بن مالك – رضي الله عنه – ‏(‏أقام بالشام سنتين يصلي صلاة المسافر‏)‏‏.‏

وروى البيهقي عن أنس بن مال – رضي الله عنه - ‏(‏أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقاموا برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة‏)‏، قال النووي‏:‏ إسناده صحيح، وقال ابن حجر‏:‏ صحيح‏.‏

فهذا آثار عن أربعة من الصحابة عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن سمرة، وأنس بن مالك كلها تدل على جواز القصر مع المدة الطويلة‏.‏ وفي صحيح البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال ‏(‏أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- تسعة عشر يقصر فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا‏)‏‏.‏ وهذا يخالف ما أفتى به نصر بن عمران فيكون لابن عباس – رضي الله عنهما – في ذلك قولان‏.‏

وأما الآثار عن التابعين‏:‏ فمنها ما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن علقمة وهو من أصحاب ابن مسعود أنه أقام بخوار زم سنتين فصلى ركعتين ‏(‏10‏)‏‏.‏ وروى عن أبي وائل أنه خرج مع مسروق إلى السلسة فقصر وأقام سنتين يقصر، قلت‏:‏ يا أبا عائشة ما يحملك على هذا‏؟‏ قال‏:‏ التماس السنة وقصر حتى رجع ‏(‏11‏)‏‏.‏ وروي عن معمر عن أبي إسحاق قال‏:‏ أقمنا مع وال قال‏:‏ أحسبه بسجستان سنتين، ومعنا رجال من أصحاب ابن مسعود، فصلى بنا ركعتين، ركعتين حتى انصرف، ثم قال‏:‏ كذلك كان ابن مسعود يفعل ‏(‏12‏)‏‏.‏ وروي عن الشعيب أنه قال ‏(‏كنت أقيم سنة أو سنتين أصلي ركعتين، أو قال‏:‏ ما أزيد على ركعتين‏)‏ ‏(‏13‏)‏‏.‏

فهذه آثار عن جماعة من التابعين وكلها تدل على جواز القصر مع المكث الطويل‏.‏

وأما النظر فيقال‏:‏ لو نوى نية إقامة مدة تزيد على أربعة أيام أو خمسة عشر يوماً، أو غير ذلك مما ذكر في تحديد المدة قاطعة لحكم السفر لكانت إقامة هذه المدة بالفعل قاطعة له أيضاً، بل أولى لأن وجود الإقامة القاطعة بالفعل أبلغ في التأثير من نيتها لو قدر أن للنية تأثيراً؛ لأن الإقامة إذا حصلت لم يمكن رفعها، بخلاف نيتها فإنه يمكن فسخها وتجديد نية للسفر، ولهذا كان أحد أقوال الشافعية أن المسافر إذا أقام المدة التي تقطع نيتها حكم السفر لزمه الإتمام وإن لم ينو الإقامة، وهذا عين الفقه والنظر الصحيح، فإنه إذا كانت إقامته هذه المدة غير مؤثرة كان مقتضى النظر الصحيح أن لا تؤثر نيتها، وإن كانت نيتها كان وقوعها بالفعل أولى بالتأثير‏.‏

وأيضاً فإن القائلين بتأثير نية الإقامة يقولون‏:‏ إنها تمنع القصر والفطر، ورخص السفر، ولا تعطي المقيم حقاً في انعقاد الجمعة به وتوليه إمامتها وخطابتها، ولهذا قالوا‏:‏ لا يصح أن يكون إماماً في الجمعة في مكان إقامته، ولا خطيباً فيها، ولا يحسب من العدد المعتبر لها‏.‏

ومقتضى النظر الصحيح أن تطرد القاعدة في حقه لئلا يحصل التناقض‏.‏

وأما القياس فمن وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يقال فرق بين رجلين كلا هما قدم البلد متى ينتهي والثاني لا يعرف‏؟‏ ‏!‏ فنقول‏:‏ للأول لا تترخص برخص السفر إذا علمت أنه لا ينتهي إلا بعد كذا وكذا من الأيام، ونقول للثاني‏:‏ لك أن تترخص وإن أقمت سنين حتى وإن ظننت أنه لا ينتهي إلا بعد تمام المدة على القول الذي حكاه في الإنصاف عن الكافي ومختصر أبي تميم‏.‏

فإن قلت‏:‏ الفرق أن الأول حدد مدة إقامته بخلاف الثاني‏.‏

فالجواب‏:‏ أن تحديد المدة لا أثر له في نية قطع السفر؛ لأن السبب فيهما واحد وهو الإقامة لانتظار انتهاء الغرض، لكن الأول حدد مدة إقامته باعتبار طبيعة الغرض، ربما تحدث له موانع يتأخر بها عن الوقت المحدد، وربما تجدد له أسباب يتقدم بها، وقد سبق لك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقام إقامة محددة في حجة الوداع فقصر، وأقام أطول منها في غزوة الفتح، وتبوك فقصر؛ لأن العلة في الإقامتين واحدة وهي انتظار انتهاء ما أقام من أجله‏.‏ وعلى هذا فيكون الفرق غير مفرق‏.‏

الوجه الثاني من القياس‏:‏ أن يقال أي فرق بين رجلين قدما بلداً لغرض يغادران البلد بمجرد انتهائه، لكن أحدهما نوى أن يقيم ستاً وتسعين ساعة فقط، والثاني نوى يقيم سبعاً وتسعين ساعة، ثم نقول للأول حكم السفر في حقك فليس لك أن تترخص برخص السفر، ومع أن كل واحد منهما لا يريد إقامة مطلقة وإنما يريد إقامة مرتبطة بغرض متى انتهى عاد إلى وطنه، وكل منهما يعتبر نفسه غريباً في محل إقامته وظاعناً عنه، ولو قيل له بعد انتهاء غرضه أقم ما أقام، فكيف يمكن أن نفرق بينهما سفراً وإقامة بفرق ساعة‏؟‏ ‏!‏

فإن قلت‏:‏ إن التفريق بين الشيئين في مثل هذا لازمن ممكن فهذه المرأة المستحاضة إذا كان لها عادة فإنها تجلس مدة عادتها فقط فتكون مدة العادة حيضاً وما بعدها استحاضة، فإذا كانت عادتها تنقضي في الساعة الثانية عشرة كان ما قبل الثانية عشرة حيضاً وما بعدها استحاضه ومن المعلوم ما بين الحيض الاستحاضه من الفروق في الأحكام‏.‏ وهذا الشخص إذا حصل بلوغه بالسن وكان تمامه الخامسة عشرة سنة في الساعة الثانية عشرة كان بعد الساعة عشرة بالغاص وقبلها غير بالغ، والفرق بين أحكام البالغين وغيرهم معلومة‏.‏

فالجواب‏:‏ أن هاتين المسألتين قد فرق الشارع بين الحالين فيهما بخلاف الإقامة في السفر‏.‏

ففي المستحاضة قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة بنت أبي حبيش – رضي الله عنها –

(‏إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي‏)‏ رواه البخاري‏.‏

وفي البلوغ قال ابن عمر – رضي الله عنهما - ‏(‏عرضت على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسة عشرة سنة فأجازني‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

زاد البيهقي وابن حبان ‏(‏ولم يرني بلغت‏)‏ – بعد قوله – ‏(‏فلم يجزني‏)‏‏.‏ ‏(‏ورآني بلغت‏)‏ بعد قوله ‏(‏فأجازني‏)‏ وصححه ابن خزيمة‏.‏

وبهذا التفريق والبيان في هاتين المسألتين من النبي -صلى الله عليه وسلم- يظهر جلياً كمال تبليغ النبي -صلى الله عليه وسلم- شريعته لأمته وتمام تبيانه، وأنه لو كان فرق في إقامة المسافر 96 ساعة وإقامته 97 ساعة لبينه -صلى الله عليه وسلم- لأمته لأهميته وكثرة وقوعه، فالحمد لله رب العلمين، صلوات الله وسلامه على من بلغ البلاغ المبين‏.‏

فإن قلت‏:‏ إننا إذا أبحنا رخص السفر لمن أقام مدة طويلة لغرض متى انتهى عاد إلى وطنه احتمل أن يترك صيام رمضان بعض من أقام في الغربة للدراسة عدة سنوات فيسقطوا ركناً من أركان الإسلام‏.‏

فالجواب من وجهين‏:‏

الأول أن يقال‏:‏ الأحكام الشرعية العامة لا يسوغ إلغاؤها في عامة الناس باحتمال أن يتوصل أحد من الناس بها إلى إسقاط الواجب، ولو ساغ ذلك لقلنا‏:‏ إن الفطر لا يباح للمسافر إذا وجد من الناس من يسافر لأجل ترك الصوم كما هو موجود الآن، ومن سفر بعض المترفين إذا أقبل رمضان ثم لا يصومون أداء ولا قضاء، لهذا قال بعض أهل العلم – إما على سبيل الواقع، أو سبيل الفرض – قالوا‏:‏ لو الفطر لغيره من المسافرين بشرطه‏.‏

الثاني أن يقال‏:‏ إن هذا الاحتمال وارد أيضاً فيمن أقام عدة وطنه – وهم أصحاب الحال الثانية – وقد سبق لك أن جمهور العلماء على جواز ترخيصهم برخص السفر ومنها ترك الصيام، بل حكاه ابن المنذر إجماعاً، وإن كان نقل الإجماع فيه نظراً كما يعلم من رشح المهذب 115 / 4 وتفصيل مذهب الشافعية في ذلك‏.‏

ولهذا نقول في مسألة الصيام إن المغترب الذي يباح له الترخص برخص السفر ثلاث حالات‏:‏

الحال الأولى‏:‏ أن لا يشق عليه فالأفضل له أن يصوم لما فيه من المبادرة إلى إبراء الذمة، ولأنه أيسر على الصائم غالباً لمشاركته الناس في زمن صومهم؛ ولأنه ثبت من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال ‏(‏خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان، في حر شديد، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد الله بن رواحة‏)‏‏.‏ رواه مسلم، ورواه البخاري – أيضاً – بدون ذكر الشهر‏.‏

الحال الثاني‏:‏ أن يشق عليه الصيام فله أن يفطر ويقضيه في وقت لا يشق عليه، ولا ينبغي أن يؤخره إلى ما بعد رمضان التالي لئلا تتراكم عليه الشهور فيثقل عليه الصوم أو يعجز عنه‏.‏

وهاتان الحالان فيما إذا أمن نفسه من التفريط وترك الصيام أما إذا خاف على نفسه التفريط وترك الصيام وهي‏:‏

الحال الثالثة‏:‏ فإنه يجب عليه الصوم ولهذا أمر الله تعالى بالاقتصار على الزوجة إذا خاف عدم العدل، مع أن تعدد الزوجات إلى أربع مباح في الأصل قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 3‏]‏‏.‏ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الوتر ‏(‏من خشي منكم أن لا يقوم من آخر الليل، فليوتر من أول الليل، ثم ليرقد، ومن طمع منكم في أن يقوم من آخر الليل، فيوتر من آخر الليل، فإن قراءة آخر الليل محضورة وذلك أفضل‏)‏‏.‏ رواه مسلم، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتقديم الوتر في الوقت المفضول لمن خاف أن لا يقوم به آخر الليل‏.‏

وقال الفقهاء – رحمهم الله تعالى – فيمن وجد لقطة له أخذها إن أمن نفسه عليها، وإلا حرم عليه أخذها وصار بمنزلة الغاصب‏.‏

فمن خاف من فعل المباح أن يترك به واجباً، أو يفعل به محرماً كان ذلك المباح حراماً عليه سداً للذريعة، لكن ذلك يحكم الناس يتوصل بالمباح إلى شيء محرم كان ذلك المباح في حقه وحده حراماً دون سائر الناس‏.‏

فإن قلت‏:‏ هل لديك علم بما قاله شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى جمع ابن قاسم 17 / 24 حيث قال ‏(‏إذا نوى أن يقيم بالبلد أربعة أيام فما دونها قصر الصلاة، وإن كان أكثر ففيه نزاع، والأحوط أن يتم الصلاة‏)‏ وبما ذكر عنه صاحب الاختيارات 107 ‏(‏وإذا نوى المسافر الإقامة في بلد أقل من أربعة أيام فله الفطر‏؟‏ وهل يقاوم هذا ما نقلت عنه أو يبطله‏؟‏

فالجواب‏:‏ ليس لدي علم بذلك، وهو لا يقاوم ما نقلته عنه، ولا يبطله‏.‏

أما الفتوى فقد ذكر النزاع ثم قال ‏(‏والأحوط أن يتم الصلاة‏)‏ والحكم الاحتياطي لا يقتضي الوجوب‏.‏

وانظر ما نقله الشيخ نفسه في هذا المجلد 141 عن الأثرم قلت ‏(‏يعني الإمام أحمد‏)‏ فلما لم يقصر على ما زاد من ذلك قال‏:‏ لأنهم اختلفوا فيأخذ بالأحوط فيتم، قال الشيخ ‏(‏فأحمد لم يذكر دليلاً على وجوب الإتمام إنما أخذ بالاحتياط، وهذا لا يقتضي الوجوب‏)‏‏.‏ أ هـ‏.‏

وأما ما في الاختيارات فإن دلالته على أن من نوى إقامة أربعة أيام فأكثر فليس له أن يفطر من باب دلالة المفهوم، وهي لا تقاوم دلالة المنطوق فكيف تبطلها‏؟‏

فإن أبى إلا أن يكون ذلك مقاوماً لما نقلت عنه فإن أعلى مراتبه أن يكون دالاً على أن شيخ الإسلام في ذلك قولين، ولكن من تأمل قوة تأييد للقول بالترخص؛ وتزييف للقول بعدمه، ظهر له أن القول المتأخر له هو القول بالترخص؛ لأنه يبعد أن يؤيد القول بالترخص هذا التأييد ويزيف مقابله ذلك التزييف، ثم يرجع عن ذلك ولهذا اقتصر عليه صاحبا الفروع والإنصاف‏.‏

وقد قال الفتاوى 18 من المجلد المذكور جواباً من سؤال شخص يعلم أنه يقيد مدة شهر فهل يجوز له القصر‏؟‏ إن فيه نزاعاً، فمن العلماء من يوجب الإتمام، ومنهم من يوجب القصر، والصحيح أن كليهما سائغ فمن قصر لا ينكر عليه، ومن أتم لا ينكر عليه، وكذلك تنازعوا في الأفضل فمن كان عنده شك في جواز القصر فأراد الاحتياط فالإتمام أفضل، وأما من تبينت له السنة وعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يشرع للمسافر أن يصلي إلا ركعتين، ولم يحد السفر بزمان أو مكان، ولا حد الإقامة أيضاً بزمن محدود فإنه يقصر – إلى أن قال - ‏:‏ ‏(‏وإذا كان التحديد لا أصل له فما دام المسافر مسافراً يقصر الصلاة ولو أقام في مكان شهوراً‏)‏‏.‏

وهذا أيضاً يدل على أن الذي تبين لشيخ الإسلام من السنة جواز القصر لمن حدد إقامته ولو طالت المدة وتقييده بالشهور في جوابه؛ لأنه جواب عن سؤال من علم أن يقيم مدة شهرين‏.‏

وإلى هذا انتهى ما أردنا كتابته في هذه المسألة التي قد استغرب كثير من الناس القول فيها بالترخص مع أنه عند التأمل في أيضاً كما عرفت، فمن تبين له رجحانه فعمل به فقد أصاب، ومن لم يتبن له فأخذ بقول الجمهور فقد أصاب، لأن هذه المسألة من مسائل الاجتهاد التي من اجتهد فيها فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فيها فأخطأ فله أجر واحد، والخطأ مغفور له، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية286‏]‏‏.‏ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إذا حكم الحاكم فاجتهد، ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

فنسأل الله تعالى أن يوفقنا للصواب فيما نأتي ونذر عقيدة وقولاً، وعملاً، وأن يجعلنا مهتدين، وصالحين مصلحين، وأن يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا منه رحمة، إنه هو الوهاب، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‏.‏

تم بقلم كاتبه الفقير إلى الله تعالى محمد الصلح العثيمين في ليلة الأحد الموافق 13 / 10 / 1405هـ‏.‏

الأقوال التي ساقها النووي – رحمه الله - ‏:‏

إليك الأقوال التي ساقها النووي رحمه الله في شرح المهذب فرع في مذاهب العلناء في إقامة المسافر في بلد‏.‏ قال رحمه الله تعالى‏:‏ قد ذكرنا أن مذهبنا أنه إن نوى إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج انقطع الترخص، وإن نوى دون ذلك لم ينقطع، ومذهب عثمان بن عفان، وابن المسيب، ومالك، وأبي ثور‏.‏

وقال أبو حنيفة، والثوري، والمزني‏:‏ إن نوى إقامة خمسة عشر يوماً مع الدخول أتم، وإن نوى أقل من ذلك قصر‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ وروي مثله عن ابن عمر‏.‏ قال‏:‏ وقال الأوزاعي وابن عمر في رواية عنه، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة‏:‏ إن نوى إقامة اثني عشر يوماً أتم وإلا فلا‏.‏

وقال ابن عباس، وإسحاق بن راهويه‏:‏ إن نوى إقامة تسعة عشر يوماً أتم، وإن نوى دونها قصر‏.‏

وقال الحسن بن صالح‏:‏ إن نوى إقامة عشر أيام أتم، قال ابن المنذر‏:‏ وبه قال محمد بن علي‏.‏

وقال أنس، وابن عمر في رواية عنه وسعيد بن جبير، والليث‏:‏ إن نوى أكثر من خمسة عشر يوماً أتم‏.‏

وقال أحمد‏:‏ إن نوى إقامة تزيد على أربعة أيام أتم، وإن نوى أربعة قصر في أصح الروايتين، وبه قال داود‏.‏

وعن أحمد رواية‏:‏ أنه نوى إقامة اثنتين وعشرين صلاة أتم، وإن نوى إحدى وعشرين قصر وحسب عنده يوما الدخول والخروج‏.‏

قال ابن المنذر وروي عن ابن المسيب قال‏:‏ إن أقام ثلاثاً أتم قال‏:‏ وقال الحسن البصري‏:‏ يقصر إلا أن يدخل مصراً من الأمصار، وعن عائشة نحوه‏.‏ قال‏:‏ وقال ربيعه‏:‏ إن نوى إقامة يوم وليلة أتم‏.‏

قال‏:‏ وحكي عن إسحاق بن راهويه أنه يقصر أبداً حتى يدخل وطنه، أو بلداً له فيه أهل أو مال‏.‏ قال القاضي أبو الطيب‏:‏ وروي هذا عن بن عمر وأنس‏.‏

أما إذا أقام في بلد لانتظار حاجة يتوقعها حاجة قبل أربعة أيام فقد ذكرنا أن الأصح عندنا أنه يقصر إلى ثمانية عشر يوماً‏.‏

وقال أبو حنيفة، ومالك، وأحمد‏:‏ يقصر أبداً‏.‏ وقال أبو يوسف ومحمد هو مقيم‏.‏ ا هـ من المجموع شرح المهذب‏.‏